عبدالعزيز السماري
الحديث عن الإدارة في ثقافتنا الاجتماعية ذو شجون، وربما يحتاج إلى صفحات ومقالات ودراسات علمية لإلقاء الضوء عن ذلك الجانب المعتم في حياتنا الإدارية، فالأمر لا يخلو من ذلك التداخل العجيب بين أفكار السلطة المتفشية في المجتمع، وبين فنون الإدارة الحديثة التي تعتمد على إستراتيجيات واضحة وأهداف محددة في المدى القريب والبعيد.
تعاني بعض أوجه الإدارة في المجتمع السعودي من آفات المجتمع وثقافته القديمة، ومن أهمها البعدان القبلي والإقليمي، والمصالح الشخصية، فالفزعة في الإدارة تكون لأقرب الناس إلى المدير العام، وليس للأجدر والأكفأ، لذلك لا تستغرب لعبة الكراسي المتحركة في بعض المؤسسات، والتي من شأنها أن تنقل موظفاً صغيراً في الأرشيف إلى مواقع عليا في الهرم الإداري خلال سنوات.
قد لا يحتاج الأمر إلى مهارات متطورة لاكتشاف ذلك الخلل، فمن خلال استفتاء محايد لبيئة العمل في بعض المؤسسات، قد تصل إلى النتيجة بدون عناء، أو ربما قد تكون الطريقة الأسهل أن تحصي عدد قضايا حقوق الموظفين المهدرة، والتي وصلت إلى قاعات المحاكم بسبب قرارات التعسف الإداري والتسلط على من يطالب بأبسط حقوقه.
لك عزيزي المسؤول أن تقدر حجم الخسائر في الإنتاج بسبب تحويل ذلك المدير ثقافة العمل في المؤسسة إلى القاعدة الشهيرة « إذا لم تكن معي فأنت ضدي»، وهي ثقافة جاءت من الأيام الغابرة في صحراء الجفاف، وكان من المفترض أن يعي المدير التحول الاجتماعي، والذي تم بفضل استثمار الدولة في التعليم وثقافة العمل، وأن يدير المؤسسة بعقلية إدارية متطورة، ومن أهمها تقدير الآخرين وتشجيعهم بدون فرز إقليمي أو عائلي.
يقول الحكيم الصيني «إذا فشلت في تقدير الآخرين، فمن الطبيعي أن يفشلوا هم أيضًا في تقديرك»، وهذا بيت القصيد في العمل الإداري، فالإداري الذي يتصرف كسلطان في مؤسسته الصغيرة لا يستحق أن يكون مديراً عليها أو مشرفاً على شركة أو مؤسسة ذات أهداف محددة، ومن السهولة أن يكتشف المرء شخصية «السلطان» في المدير التنفيذي، ومن أهم تلك العلامات احتكاره للصورة في المؤسسة، فالنشاطات لا يمكن أن تحظى باهتمامه ورضاه ما لم تكون صورته أكبر وأكبر في البرواز الصغير للنشاطات.
تصبح المؤسسة قابلة للانهيار إذا لم يحترم المدير التنفيذي قوانين ولوائح المؤسسة، وقد تكون بالفعل في حالة انهيار وتنتظر إعلان حالة الفشل في أي لحظه، وقد تتحول المؤسسة إلى أشبه بالقبيلة الإدارية التي تقوم على رعاية الغنائم واحتكارها من قبل فئات محددة، ويقف خلف هذا الخروج السافر عن الخط الإداري السليم, لأن قرارات المؤسسة لا تخضع للتفتيش والرقابة من قبل مجلس الإدارة أو الهيئات الرقابية المتخصصة.
حسب علوم الإدارة الحديثة، يعتبر الرئيس التنفيذي أهم عنصر في أي شركة، والأبحاث التي تمت في السنوات القليلة الماضية، تظهر أن سبب نجاح الشركة متوقف على إستراتيجية الإدارة، والرئيس التنفيذي هو من يقوم بتنفيذ تلك الإستراتيجيات، لذلك من الخطأ الجسيم أن يعتقد المدير التنفيذي أنه يمثل المرجعية الأعلى لمختلف السلطات في المؤسسة، ولكن عليه أن يعمل كمنفذ للإستراتيجيات الإدارية المعدة من هيئات أعلى.
نحن أمام حالة مرضية في الإدارة في بعض أوجهها في المجتمع السعودي، وتحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم من قبل الجهات العليا، وأن لا يُترك الحبل على الغارب في بعض المؤسسات، وأن يتم التدخل سريعاً قبل أن يقع الفأس في الرأس، ونخسر رصيداً ضخماً من النجاح المهني والفني في شتى المجالات.
لدي ثقة كبيرة في برنامج التحول الوطني المتطور في أن يراجع بعض السلوكيات الإدارية المتفشية في بعض المؤسسات، وأن تتم معالجتها سريعا، أو التخلص كلية من ذلك الإرث الذي لم يعد يواكب المرحلة الحالية في التطور الوطني.
بكل شفافية، نحتاج إلى عقول إدارية تنظر إلى مصالح الوطن العليا أولاً، وتتجاوز مصالحها الشخصية ونظرتها الضيقة والمتخلفة للأشياء من حولها، وهل يصح أيها السادة أن يستمر الإداري في منصبه، وهو يحارب بشراسة الكفاءات الوطنية لدرجة التسلط والمضايقة التي تصل في كثير من الأحيان إلى مخالفة الشرع والنظام، فهل ندرك الحاجة للتغيير قبل فوات الأوان..