فيصل أكرم
سِكَكٌ من السودِ الحَصَى، امتدَّتْ شوارعَ
وارتَدَتْ
من كلّ أثوابِ المُشاةِ ذيولَها..
سِكَكٌ كأرصفةِ الطريقِ، على ارتفاعٍ
لاقتناعاتِ الهُواةِ؛ زمانَ كُنّا
نعبرُ الطرقاتِ مختلفينَ حوْلَ مهاجرينَ تباعدوا
عنها؛ ولم ينسوا لَها
لغةً يناطحها السحابُ، وينثني
نهراً يجدولُ في الترابِ حقولَها.
ولأنها ليست كالسكك العادية، التي تنبسطُ كيفما أردنا لها الانبساط، فإننا لم نكن عاديين في المشي كما تريدُ لنا السككُ. كنا نحتفلُ بكلّ خطوةٍ حين تنكسرُ على صخرةٍ أو ينكشفُ بها كعبٌ أو يلتوي كاحلٌ كما التواء الدوّامةِ الصفراء في سويداء عينٍ؛ ونفرحُ.. نفرحُ ببعض الأيادي الممتدة لنا، حتى ولو كانت لجسدٍ من ريحٍ تصطحبُ غباراً..
كنا صغاراً
نكسرُ الطرقاتِ ذهاباً وذهاباً
إلى أن كبرنا انكساراً
انكسرنا كباراً
لماذا كبرنا..؟
ولا نزال نردد السؤال حتى حين تدهورت الأجوبةُ إلى درجةٍ صار فيها الكبيرُ يقتفي أثرَ الطفولةِ باحثاً عن ملاذٍ يحميه من ذكرى تضحكه وتبكيه؛ ولم يدر بمثلها أحدْ.
هو ذا التجسُّدُ في ارتسامٍ،
لا الترسُّمُ في جَسَدْ.
فأيُّ الطريقين أقربُ لك، أيها السائرُ وحدك: الأكثر طولاً وضيقاً؟ أم الأقصر في اتساع؟ ولأنك لا تجيد الانصياع، ستختارُ عذابكَ مجدداً، وتشدُّ رحالكَ إلى هناك..
وهناكَ، يا الله ما أقسى هناكْ
فهناكَ موتٌ لا يُميتْ
وهناكَ أغطيةٌ يخبّئها النعاةُ تشفياً
تحتَ التوابيتْ
تلك السكك، يا من ستسألني عن أسمائها، ليست من ذوات الأسماء. نحن قد أصبحنا أسماءها، نعرفها جيداً من كل الجهات، ولا أحد غيرها يعرفنا من ملامح الخطوات المميزة حتى وإن تشابهت القسمات. لذا فأسماؤها مجهولة حتى عليك.. فاسأل نفسكَ إن استطعتَ، وانظر إلى المرآة.. ستجدُ واحداً يشبهني ويقفُ مكانكَ، ليردَّ سؤالكَ إليك!