فيصل أكرم
وكنتُ أصدِّقُ
أنَّ البلادَ البعيدةَ أجملُ
من كلِّ أرضٍ وطئتُ
وكنتُ أصدِّقُ
أنّي أقومُ كياناً جديداً
إذا ما وقعتُ.
فمن ذا يصدِّقُ
أنّي
كأنّي
بلا حُلُمٍ قد ذهبتُ
وضعتُ
ومن دون ذكرى رجعتُ.؟!
* * *
لم تنقلب صفحة خاطرتي الأخيرة بعدُ، حتى انكسر خاطري بصفحات تتواتر في الانقلاب سطراً فوق سطر، كلّ حرفٍ يحترفُ الجرحَ وكلّ نقطةٍ تنقضُّ كيّاً على نهاية السطر لتشتعل جمرة في مبتدأ سطر ليس بجديد ولا هو القديم. ولكنه أليم. هل ستصرخ؟ قلتَ: لا.
لا تختبرْ
غربتي
يا أيها السَّفَرُ
فأنا غريبٌ
منذ أنْ
أتى بيَ القَدَرُ
* * *
يتساءل عباس محمود العقاد، في كتابه (حياة قلم): ألا أعرف نفسي؟ ثم يجيب: (سؤال نسمعه كل يوم ولا نجيب عنه، لأنه في عرفنا جميعاً غني عن الجواب، أو جوابه بلسان الحال يغني عن جوابه بلسان المقال، وكأننا نقول لكل من يسأله: عفواً.. كيف لا تعرف نفسك؟.. تعرفها بالتحقيق!. ومع هذا أقول بعد تجربة للبواعث النفسية التي تدفعني إلى أكبر الأعمال وأصغر الأعمال على السواء: إن الإنسان يعرف نفسه بالتخمين لا بالتحقيق، وإنه كثيراً ما يكون في تخمينه عنها غريباً يبحث عن سر غريب، ولا فرق في هذا بين البحث عن أعمالنا والبحث عن أعمال غيرنا إلا في الدرجة والمقدار، بحكم العادة والتكرار).
قرأتُ كلام العقاد هذا حين كنتُ صغيراً، وصدّقته، وكلما كبرتُ أدركتُ أن هذا الكلام بقدر ما هو صادق هو ناقصٌ أيضاً.. ربما لأن العقاد – رحمه الله - كان لا يخرج كثيراً في مشاوير بعيدة خارج مكتبته وصالون منزله؛ ولأنني آمنتُ منذ أزمنة حفلت بالمشاوير أن النفس تختلف وتضطرب – ولا أقول تتغير أو تتبدل – بعد كل مشوار. فمشوار ترجع منه ونفسك مكسورة، ومشوار ترجع منه ونفسك تكاد تكون مجبورة قبل أن تنكسر بمشوار جديد، ومشوار ترجع منه ونفسك ليست معك. تفتش عنها فتكتشف أنك قد أضعتها هناك، أو تركتها وديعة عند أحد لم يعرفها أصلاً؛ ورجعت من دونها.. فكيف تعرّفُ شيئاً لم يعد معك؟ لا بدّ إذاً من مشاوير كثيرة تلملم بها بعض نفسك ثم تتأملها خارج إطار العادة والتكرار، فربما تعرفها، وربما تحتاج معها - ليكون التعارف بينكما مجدداً - إلى مشوار ليس ككل مشوار.. مشوار يساوي ولادة جديدة، أو نقلة إلى حياةٍ لم تعرفها من قبلُ في أيّ مشوار.