د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
في تقرير نشرته (الإندبندنت) -شباط 2016م- أثبت مهندس البرمجيات (توم أندرسن) «إحصائيًا» أن القرآن الكريم أقل الكتب السماوية الثلاثة في عدد مفردات العنف وجاء العهد القديم في المرتبة الأولى بما يعادل ضعف ورودها في كتابنا العظيم.
**ليس أعجبَ في حوارات هذا الزمن المرهَق باليأس والبؤس من استدعاء محطاتٍ «منتقاةٍ» في تراثنا الإسلامي والاستشهاد بها للدلالة على أن جذور الإرهاب منطلقة من بيئتنا مع النأي -في الضفة الأخرى- عن استدعاء التراث الغربي، وليت من يحكي عن تراثنا يفتش قليلًا في كتابٍ واحدٍ لن يُعييَه بحثًا أو يهدرَ له وقتًا وهو كتاب «وِلْ ديورانت»: ( قصة الحضارة )، ولو سُئل صاحبكم عن أهم كتاب في التأريخ العالمي لما رأى غيره مدانيًا له.
** من المَهيض في حق الموضوعية القفزُ فوق صفحات التأريخ للتدليل والتعليل، وإلا لكان اجتزاء صفحاتٍ من كتاب «ديورانت» كافيةً أن تنافس وصمَ ابنِ غنام -رحمه الله- أهاليَ بعض مناطق الجزيرة العربية بالكفر وَفق زعمه، وحدثه الدكتور ناصر الدين الأسد رحمه الله -في لقاء خاص بينهما- عن جهودٍ كُلِّف بها لتنقية (روضة الأفكار والأفهام) مما مُلئ به من تعصب وما تبعه من أوهام، وليته لم يفعل؛ فلن يَضيرنا كتابٌ ولا جيوش استكتاب، وما دُوِّن فيه ملكٌ للزمن، وهذا مجرد مثال لتقريب الرؤية.
**ربط كثيرون بين الإرهاب ورواياتٍ منتَخبةٍ قديمة ومعاصرة ولم يتكلفوا تحقيقها أو حصرها في مرحلتها وذويها؛ فالتعميم خطيئة منهجية، وبالمنطق نفسه؛ فمن يقرأ كتاب (محمد: مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين) لرجل الدين (جورج بوش) - جد أسرة آل بوش المعروفة وقد صدر في وقت صدور كتاب ابن غنام- فإنه مدرك أن ممارسة التطرف لا يختص بها عربٌ عن عجم ولا مسلمون عن يهودٍ ونصارى.
** توفي ابن غنام عام 1811م وصدرت الطبعة الأولى من كتاب الجد بوش عام 1830م، ويُعد -وفق الناشر العربي- «أهم مصادر الفكر الغربي العنصري المتطرف»، والفارق أننا ننشر ما اندثر لنَدين أنفسَنا ويخفون ما لديهم، ولعل الصديقين الأستاذين عبدالله الماجد وعبدالله الناصر يحكيان عما رافق الحصول على نسخةِ هذا المخطوط «الأمريكي» من معاناةٍ بلغت درجة الحجب والاعتذار والتصوير المشوه حتى ساقته صدفةٌ في محل بيع كتب قديمة بقرية إنجليزية، وقد مُنع الكتاب بنسخته العربية وقت صدوره (2004م) وغُرِّم ناشرُه، وهذه مؤشرات تكشف كيف نغتال حقوقنا بأيدينا حين نبتسر تراثنا ونُطرق عن تراثهم؛ فلديهم ولدينا أوراقٌ بيضاءُ وأخرى سوداء.
** المقدس يَدُلُّ والبشري يُضِلّ.