د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** كُونت اللجنة بتوجيهٍ ملكي إلى وزير المالية من أربعةٍ «جمركيين» و»معهداريَّين اثنين» زارت «بيروت الكبرى» - كما كانت تسمى بعد جلاء الصهاينة منها وبقائهم فيما حولها أوائل الثمانينيات الميلادية - استجابةً لشكوى اللبنانيين من وقف استيراد منتجاتهم الصناعية بسبب الاشتباه في دخول بضائع إسرائيلية تحت غطاء مؤسساتٍ ومصانع لبنانية، وهو ما أثَّر على الوضع الاقتصادي اللبناني المنهار بسبب الحرب الأهلية (1990-1975م)، ولقوة تأثير تلك المقاطعة المحدودةِ زمانًا ومضمونًا فقد استُقبل الوفدُ في مطار بيروت رسميًا وإعلاميًا ، ونُشرت صور أعضاء الوفد على الصفحة الأولى في « النهار» وأخواتها، وقابلهم وزراءُ وتنفيذيون كبار، علمًا أن مرتبة رئيس الوفد الوظيفية» إذذاك» الأستاذ عبدالعزيز البريدي - عليه رحمة الله - هي العاشرة، وأعمار معظم الأعضاء في العشرينات، ومهمتها ميدانية لزيارة المصانع على الطبيعة والتأكد من وجودها أساسًا وعملها تاليًا وأخذ عينات من ملصقاتها وكتابة تقريرٍ لمدير الجمارك حولها.
** مكثت اللجنة واحدًا وعشرين يومًا وأحصت 171 « مئةً وواحدًا وسبعين مصنعًا منتِجًا»، وقدمت المطلوب منها فاكتملت مهمتها ، ولا يعلم صاحبُكم - الذي كان أحد عضوي معهد الإدارة وكاتبَ التقرير النهائي» السري» عنها - غير إعادة فتح باب الاستيراد وَفقًا لمعطياتٍ ارتآها ذوو القرار، وكانت تلك الرحلة مبتدأَ معرفته بلبنان وعلاقته بأرضها وناسها الممتدة حتى يومه.
**من يعرف لبنان يدرك أنه متكئٌ على خارجه في اقتصاده وسياسته وإعلامه ، ولعله الرئيس « شارل الحلو» الذي جمع الصحفيين اللبنانيين في مكتبه وبادر بتحيتهم في «بلدهم الثاني»، وحين شكا إليه بعض الزعماء العرب حملات الصِّحافة اللبنانية ضدهم طالبين تدخله أعاد الوساطة بهم من صحافته التي تهاجمه، ومن تجربةٍ قريبةٍ فإن اجتماعاتهم المحدودة في حيزٍ وإطارٍ تشهد اختلافاتٍ جذرية قد تؤدي إلى القطيعة بينهم، وربما لعب «الأجانبُ» دور التهدئة والمقاربة.
**هل تكفي هذه الأمثلة كي ندعوَ للبنان دون أن ندعو عليه، وأن نرثي له من غير أن نحقد عليه، وأن نعلم أن معظم كبرائِه مستأجرون وصغرائِه مستضعفون وعظمائِه مستهدفون ، ومن اغتال «سليم اللوزي وحسن خالد وصبحي الصالح ورفيق الحريري وجبران تويني ووئام الحسن وغيرَهم» هم الأحقُّ بالمناوأة ، ولعل زمنًا قريبًا يأذنُ لهم بوطن مستقلٍ لا يسومُه سفاحو الشام ومجوسُ فارس وعملاء يهود وسادتُهم وذيولهم.
** لا تقابلوا الشتمَ بالشتم والمصاب باللطم والنوازل بالاستسلام ؛ فأزلامُ «أبي لؤلؤة والعلقمي وهولاكو وشارون» لن ينقرضوا، كما أن أحفاد «عمرَ وخالد وصلاح الدين وأحمد ياسين» لن يتواروا، والحكيمُ يتجهُ إلى المنابع لا التوابع، وقبلنا قال الفرزدق:
ولو كان عبدُاللهِ مولىً هجوتُه
ولكنَّ عبداللهِ مولى مواليا
(2)
ليس لبنانُ وحدهُ من أُصيبا
كلُّ شأنٍ في الشرق يبدو كئيبا
بين غازٍ.. وقاتلٍ.. وأجيرٍ ...
وأسيرٍ.. صار الفضاءُ مُريبا
(3)
** في اللوحةِ المعتمةِ حكايات.