د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
قبل عشرة أعوام أخبره صديقُه الأستاذ عبدالله بن محمد السَّعوي -حين ترافقا إلى الشام في رحلة عمل- أنه سيزور مدينة « ضُمير» قرب دمشق لتحية زميل عمل قديم جمعهما التعليم الحكومي يومًا؛ فلم يستشره صاحبُكم في إمكان مرافقته، بل سبقه إلى السيارة التي أقلتهما مع الأستاذ هذلول بن محمد الهذلول؛ فلْيرَ «أبو صالح» من شاء وليدرك «هو» ما عناه المتنبي في بيته الذائع من قصيدته الوداعية حين غادر بلاط سيف الدولة متعَبًا مما لقيه من العُداة:
لئن تركنا ضُميرًا عن ميامننا
ليحدثنّ لمن ودعتُهم ندمُ
** رأى جبل «ضمير» والقرية الوادعة بجانبه، وسأل الناس عنهما فوجدهم يحيون اليوم بأوجاعه ويجهلون الأمس بإمتاعه؛ فما أهمهم إن مرَّ أبو الطيب وأين استقر، وبدا له أن التاريخَ يعني النائين أكثر من الدانين، وكذا يكون « العشبُ على الضفة الأخرى أكثرَ اخضرارًا « كما نطق المثل الأجنبي، وغرق صاحبكم في ذاكرةِ البلاط الحمدانيِّ بوشيه ووشاته وطريق المتنبي إلى مصر عاتبًا وخروجه منها غاضبًا، وكذا نسيرُ؛ لا ندري؛ أفي الحاضر الخيرُ أم الآتي، (وما نزال ننتظر العمل الكبير لأستاذنا الدكتور عبدالعزيز المانع في رسم خارطة درب أبي الطيب بين الشام ومصر، كما تتبعه بنفسه ووقف على محطاته وكاد يكلفه حياته).
** وقبل شهر (شباط 2016م) زار صاحبكم المغربَ في رحلة علمية نظمتها ثلوثية المشوح وجامعة القاضي عياض؛ فعرض الصديق الدكتور عبدالله الوشمي زيارة « أغمات» وتوجها مع صديقهما الأستاذ سعد النفيسة إلى «قبر الغريب» وبجانبه « الرُّميكية وابنُهما الصغير الربيع»؛ فأمَّن على بيت المعتمد:
من بات بعدك في ملكٍ يُسرُّ به
فإنما بات بالأحلام مغرورا
** كان المشهد خاليًا إلا من ثلاثتنا وحارس الضريح ومكتبةٍ تضم ما كتب عن ملك أشبيلية، وتساءل عن قبور بناته اللائي وطأن الطين بعد المسك واضطررن للغزْل من أجل البقاء فلم يجد إجابة،كما أن السجن الذي احتجزه فيه زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين قد صار مزرعةً لا تبعد أكثر من أمتار عن القبر:
قبرَ الغريب سقاك الرائحُ الغادي
حقًا ظفرتَ بأشلاء ابن عبادِ
** زاروا قريةً قرب أغمات اسمها (ستي فاطمة) وعلم أنها تحمل اسم سيدة من سلالة المعتمد ماتت هناك هروبًا من مصيرٍ أدركته، وظل «الشجا يبعث الشجا»، فقد مضى ألف عام وما نزال نجهل أو نتجاهل التأريخ بشخوصه ونصوصه وأخباره وعبره، وربما وفرنا على أنفسنا وأمتنا تجارب مؤلمة لو وعيناه؛ فكذا انكفأ تطلع المتنبي فقُتل وانكسر المعتمد فأُسر.
** اِقرأوهما وأَقرئوهما ومَن قبلهما ومَن بعدهما واستعيذوا من فتنِ الدنيا والدنايا.
** الأمسُ رمسٌ وأُسّ.