جاسر عبدالعزيز الجاسر
تواصلاً لما بدأناه بالحديث عن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر، والتي نحاول الإحاطة بأهميتها من خلال ما يمتلكه البلدان من مقوّمات وقدرات، تجعل منهما بحق البلدين المحورين الرئيسين في المنطقة، والمؤهلين لتحقيق التميز والتفوق للأمة العربية، التي عانت ومنذ عقود فترات من التراجع جعلت من الآخرين أن يتجرؤا على دولهم، فانضمت إلى الكيان الإسرائيلي قوى عنصرية وطائفية تحيط بها جغرافياً.
وإذا بدأنا حديثنا بإبراز القوة العسكرية للبلدين ومما تمتلكانه من قدرات في العدة والعدد، فإنهما يشكلان قوة رادعة تجعل أياً من الطامعين، والذين أصبحوا واضحين ومحددين لكل ذي، يحسبون ألف حساب قبل التورط في التحرش بالدول العربية وليس فقط مهاجمتها.
الدولتان المحوريتان العربيتان تمتلكان، إضافة إلى قوّتهما العسكرية، قدرات وإمكانيات اقتصادية متميزة، وإذ كانت المكانة والقوة الاقتصادية للمملكة العربية السعودية واضحة، وأنها إحدى البلدان المهمة في مجموعة العشرين الدولية، ينظر إليها بنفس النظرة للدول الصناعية المتقدمة الأولى والدول الناهضة المتقدمة في مسيرة التنمية، فإنّ مصر لا تقل إمكانيات وأهمية، وإذ طغت المشاكل الاقتصادية على مصر في المرحلة الراهنة لأسباب لا يمكن أن تستمر طويلاً، خاصة وأن لمصر قدرات وإمكانيات لا تحتاج سوى إلى إدارتها واستثمارها بأساليب حديثة ومتطورة، ومعالجة التشوهات الإدارية والتشريعية التي أتاحت حصول أخطاء ومخالفات تعاني منها العديد من الدول النامية وفي مقدمتها فساد الإدارات، وكثرة التجارب الفاشلة، وتشهد مصر حالياً معالجات جادة وعلمية بدأت تظهر نتائجها على الواقع الاقتصادي المصري. ويخطئ كل من يعتقد أن مصر ضعيفة اقتصادياً، فالبلاد تمتلك قاعدة اقتصادية ترفدها موارد مستديمة توفر دعماً مستمراً يضخ مليارات الدولارات والعملات الصعبة في شريان الاقتصاد المصري.
فبالإضافة إلى ما يتحصل من إيرادات قناة السويس التي أصبحت مجريين أحدهما للدخول إلى البحر الأحمر والآخر إلى البحر الأبيض المتوسط، وهو ما سيضاعف الإيرادات بعد أن تتحسن أسعار النفط، ومجرى قناة السويس يرفد الموازنة المصرية بعشرات المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى إيرادات السياحة التي لا تقل أهمية عن قناة السويس، إذ تعاني السياحة في مصر من تراجع لظروف وقتية، فإن عودة النشاط والازدهار للسياحة ستحسن كثيراً من أداء الاقتصاد.
أما المورد الثالث فهو تحويلات المصريين العاملين في الخارج والتي إذا ما ظبطت وقدمت تسهيلات وإغراءات للعاملين فسوف تصل إلى أكثر من عشرين مليار دولار.
هذه الموارد الضخمة، إذا ما دُعمت ورُفدت باستثمارات عربية ودولية جادة تستهدف استثماراً منتجاً وليس استثماراً استهلاكياً، فإن الاقتصاد المصري سيتعافى وقد يصل إلى مستوى مساوٍ للاقتصاديات المتقدمة، وقد عملت المملكة العربية السعودية لتفعيل هذه الخاصية، إذ ارتفعت الاستثمارات السعودية في مصر لتحتل المركز الأول، وإن هذه الاستثمارات التي تستهدف تفعيل وتشغيل مفاصل إنتاجية، لابد وأن تحقق أرباحاً لا تقتصر على المصريين فقط، بل يستفيد منها المستثمرون الذين عليهم أن يصبروا قليلاً لجني ما يقدمونه لمصر التي تستحق الوقوف معها لانتشالها من الواقع الذي وصلت إليه، والذي جزء منه التزاماتها العربية، ولهذا فإن ما يقدم من مساعدات ومنح لمصر هو جزء من دَين متأخر على العرب بالذات دفعه لمصر، حتى تصبح قادرة على القيام بدورها القومي، وهذا أحد أهم ما تهدف إليه زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر.