خالد بن حمد المالك
مستقبل العرب تحكمه مجموعة اعتبارات، أهمها أنه مرهون بالعلاقة السعودية - المصرية، وأصدق هذه الاعتبارات أن قوته يستمدها من التوافق والتفاهم بين القاهرة والرياض. وما من مشكلة تحل بالأمة إلا وكان حلها ومرجعيتها بالتدخل العاقل والحكيم من هاتين الدولتين. وأي تفكير بغير ذلك وبأن الحلول إنما تأتي من الدول الكبرى ومن دون أن يكون لمصر والمملكة دور فيها هو تفكير ناقص، ومن يتحدث به لا يعرف شيئًا عن القوة والتأثير والدور الذي يلعبه التحالف السعودي المصري في إضفاء القوة على المسار العربي في مجمل الأحداث.
* * *
الملك سلمان يزور القاهرة بعد غد الخميس زيارة رسمية. هذه الزيارة لا ينظر لها العالم وكأنها زيارة مجاملة لمصر شعبًا وقيادة، ولا يقيمها على أنها زيارة مقابل زيارات سابقة للرئيس المصري، كان قد قام بها للرياض، وإنما هي زيارة تستمد أهميتها من بُعدها التاريخي والاستراتيجي، ومن أهميتها السياسية والاقتصادية، ومن الدور الفاعل لكل من سلمان والسيسي، وتأخذ وضعها أمنيًّا وعسكريًّا ضمن الترتيبات التي تتجدد بشكل دائم لجعل العلاقات الثنائية ومن ثم العلاقات العربية - العربية في وضعها الصحيح، في ظل الغليان والفوضى الأمنية التي تعصف ببعض دول المنطقة، ومن أن الخروج من هذا الوضع المأساوي لا يمكن أن يتحقق بدون التفاهم والتعاون بين الزعيمين الكبيرين سلمان والسيسي.
* * *
وليس هناك من شك بأن اهتمام العالم بالزيارة، وقراءاته المتعددة لما سينتج عنها، والتحليلات والتعليقات الكثيرة التي سبقت بدء سلمان زيارته المرتقبة لمصر، ومتابعة وسائل الإعلام لكل إشارة عنها بالآراء والتوقعات، ووضع كل الاحتمالات لمدى تأثيرها على مجريات الأحداث في المنطقة وفي العالم، إنما يعبر كل ذلك عن أهميتها، وتأكيد نجاحها قبل أن تبدأ؛ فتوقيت الزيارة يُظهر تصميم الدولتين والزعيمين على رفض كل ما يخطط ويرسم لمستقبل المنطقة، طالما أنه لا يصب في مصلحة دولها وشعوبها، وإصرار الملك والرئيس على أن دول المنطقة لن تقبل بأقل من أن تكون آمنة ومستقرة، مع رفض أي تدخل في شؤونها الداخلية، بحسب ما يجمع عليه المحللون، ويؤكده المتابعون، ويقول به من يرى أن المملكة ومصر هما صمام الأمان لاستقرار دول المنطقة.
* * *
وإذا كان الاهتمام بالزيارة الملكية بهذه الصورة على المستويَيْن العربي والدولي، فإن من ينظر إليها من زاوية العلاقات الثنائية بين المملكة ومصر سوف يتأكد له حرص القيادتين على تطورها ونموها، والسعي إلى تحقيق التكامل فيما بين الدولتين، وصولاً إلى إنجاز كل ما يخدم الشعبين الشقيقين، خاصة أن الزيارة تأتي مواكبة للاستقرار الذي تنعم به مصر الآن بعد فترة عصيبة وقلقة مرت بها، إثر الفوضى وتفشي الإرهاب الذي ساد البلاد بعد تولي تنظيم الإخوان المسلمين السلطة، وتلك الفترة الأولى التي رافقت إقصاءهم من الحكم.
* * *
وفي ظل هذه الصورة المضيئة عن العلاقات السعودية - المصرية، وأهمية الزيارة بحسب ما يراه المراقبون والمتابعون، فإن أحداً لا يمكن أن ينظر إلى المباحثات التي سيجريها الملك سلمان مع الرئيس المصري السيسي إلا أنها فاتحة خير لخروج دول المنطقة من هذا النفق المظلم، والتحرك باتجاه إعادة الأمل والعمل معاً بأن تكون دولنا في وضع أفضل، من حيث الاستقرار والأمن، والوصول بالوضع المعيشي والاقتصادي إلى ما يلبي حاجة المواطنين، ويعينهم في بناء مستقبلهم.
* * *
وفي كل الأحوال، وإن كان من السابق لأوانه معرفة ما سيتم الاتفاق عليه في مباحثات الزعيمين، إلا أن التوقعات تشير إلى أن دعم المملكة لمصر اقتصاديًّا وسياسيًّا سيكون ضمن الأولويات في جدول المباحثات، وأن القضية الفلسطينية، والتصدي للإرهاب، ومراجعة ما تم الاتفاق عليه من تحالفات عربية وإسلامية، ستكون حاضرة وبقوة، فضلاً عن استعراض التعاون الثنائي المشترك في كثير من المجالات، ومراجعة واستكمال ما سبق أن تم الاتفاق عليه بين الدولتين من اتفاقيات ثنائية لتعزيز وتجذير العلاقة التاريخية التي تربط الدولتين والشعبين الشقيقين.