إبراهيم عبدالله العمار
نكمل اليوم سلسلة البحث عن إرم ذات العماد ، وهي قصة كتاب «الطريق إلى أُبَر»، وهي كلمة أخرى لمدينة إرم، للمستكشف الأمريكي نيكولاس كلاب الذي سعى فيه أن يبحث عن مدينة قوم عاد، ورأينا في الحلقات السابقة أنه وفريقه من العلماء اتجهوا إلى ظفار في عمان ووجدوا كهوفاً عليها نقوش، وأحجار صغيرة عبدها أهل المنطقة في السابق، ثم اتجهوا للربع الخالي ووجدوا قطعاً خزفية وآثاراً تعود إلى سنة 5000 قبل الميلاد (أول اكتشاف من نوعه في الربع الخالي)، لكن المشكلة أن هذا زمن يسبق قوم عاد. رأوا قاع بحيرة جفت، وكانت تلك المنطقة من الربع الخالي تجري بالأنهار فيما مضى. تلك المنطقة أيضاً مرت بها القوافل التي تاجرت في البخور، وهناك بساتين بخور مجاورة، لكنها منطقة جافة قاسية، والماء جف منذ زمن بعيد، فلا يمكن أن تضع عاد المدينة هنا.
نكمل اليوم هذه الرحلة الاستكشافية. تعمّق نيكولاس ورفاقه في كثبان الربع الخالي، شاعرين أن إِرَم قريبة من هنا، ومشّطوا المنطقة معتمدين على صور القمر الصناعي ولم يجدوا شيئاً، إلى أن رأوا أبنية بيضاء من بعيد، فذهبوا لها، وإذا بها مستوطنة.. اسمها شصر، فيها قرابة 10 بيوت ومسجد، وهي صغيرة، ليس فيها إلا 36 شخصاً، وهناك.. رأوا شيئاً.. رأوا حِصناً.
إنه حِصن قديم خَرِب. تأملوه، وسألوا أهل القرية عنه فقالوا إنه بُني في أول عام 1500م من قِبل شخص اسمه بدر بن طويرق. لاحظوا أن الحصن مضطرب التصميم، كأنه وُضع كيفما كان. توقع عالم الآثار أن الشيخ ابن طويرق لم يبن هذا الحصن بل أعاد بناء جزء منه، والمبنى الأصلي ربما يعود للقرون الوسطى أو أبكر. هذا الحصن يعلو مكاناً يطل على شيء جذب انتباههم .. إنه يطل على حفرة كبيرة. هذه تسمى أيضاً في علم الجيولوجيا بالوعة أو مجرى وهي فتحة يترسب فيها الماء وأشياء أخرى. قال العلماء إن هذا المكان كان كهفاً أسفل الأرض ومليئاً بالماء، لكن بسبب الطبيعة أو الإنسان فإن الماء جف وبدونه صار الكهف غير مستقر وانهار (بعد أن بُني الحصن). يقول العالم نيكولاس: «تنظر للأعلى، للحصن، وترى مكاناً كان فيه جدار لا زال موجوداً لكن جزءاً منه قُصَّ وسقط في المجرى ودُفن تحت أقدامنا. رأينا نقوشاً منقوشة على أحد جدران الحصن. عاينّا خرائط القمر الصناعي ورأينا فيها نفس هذه الحفرة واضحة وكذلك ما لا يقل عن 6 مسارات قوافل، كانت تتجه شمال بساتين البخور وتلتقي هنا في شصر، ولا واحدة منها تجاوزت هذه القرية بما أن فيها ماء مضمون». وكانت هذه القرية قبل مئات أو آلاف السنين محطة وقوف ضرورية لكل القوافل المارة من هنا، ومن كان يتحكم بشصر ومائها يمكن له أن يتحكم بتجارة البخور. لكن ظهرت مناقشات منها ما يقول إن هذه المدينة لا يمكن أن تكون إِرَم لأنّ الحصن لم يكن قديماً ما فيه الكفاية، والمدينة لم تكن كما يصفها القرآن، أنها لم يُخلق مثلها في البلاد، لكن رأوا أن لا يستعجلوا الحُكم، وقرروا أن يمكثوا في شصر في عمان ويبدأوا أعمال التنقيب ليروا إذا ما كانت هذه هي المقصودة.
هل وجدوا مُرادهم؟ ماذا وجدوا لما نقّبوا في تلك الحفرة الغامضة؟ نرى هذا الأسبوع القادم.