إبراهيم عبدالله العمار
لعل روابط الانترنت من أمتع أوجهها، خاصة لمّا رأينا الانترنت أول مرة. تقرأ خبراً أو مقالاً، ويشير إلى خبر آخر ويضع رابطاً، وما عليك إلا أن تضغط الرابط وإذا بك هناك! نظرياً.. هذا شيء رائع، فهو يفتح عالماً حراً من المعرفة المربوطة ببعضها، لكن هل الأثر هذا صحيح فعلياً؟.
كتاب «المياه الضحلة» أتى بمعلومات مُقلقة عما تفعله الانترنت بالعقل والتفكير، ومن ذلك تأثير الروابط. صفحة من النص على الإنترنت تبدو مشابهة لصفحة نص مطبوع، لكن الضغط والتنقل على صفحة انترنت فيها حركات جسدية وعوامل عقلية مختلفة جداً من تلك التي تحصل عندما تقلّب صفحات كتاب حقيقي. الأبحاث أظهرت أن عملية القراءة من ناحية عقلية تعتمد ليس فقط على البصر بل أيضاً على اللمس، وعندما تلمس الكتاب تنتفع أكثر.
الانتقال من الورق إلى الشاشة أيضاً يؤثر على الانتباه الذي نكرسه لهذا النص و تعمقنا فيه، والروابط تغير تجربتنا، فهي إلى حدٍ ما تشبه الاستشهادات والحواشي التي طالما كانت جزءًا من الوثائق، لكن تأثيرها علينا عندما نقرأها يختلف، ذلك أن الروابط ليست فقط مثل تلك الحواشي.. ليست تُوجهنا بلباقة إلى المصادر والمراجع، هي تقذفنا إليها قذفاً.. تشجعنا أن ننغمس في سلسلة من النصوص بدلاً من تكريس اهتمامنا على إحداها.
قابلية البحث في الصفحات الإنترنتية ربما تشبه الفهرس المطبوع، لكن حتى هنا التأثير يختلف، فمثلما في الروابط فإن سرعة وسهولة البحثية هذه تسهّل القفز بين الصفحات الانترنتية عكس الوثائق المطبوعة. ارتباطنا بالنصوص يصبح ضعيفاً ومؤقتاً. إن توفّر البحثية يؤدي إلى تفكيك للكتابات الإنترنتية، فمحرك البحث يوجه انتباهنا لجزء معين من النص ككلمات أو سطور قليلة تتعلق بما نبحث عنه ولا تعطينا أي دافع أن نقرأ كامل النص أو أكثر من ذلك.
أما أشهر أثر للروابط: التشتيت. إذا قرأت مقالاً أو صفحة فيها روابط كثيرة في النص فلا شك أنك شعرت بهذا، ولنر ما تقوله الثقافية الأمريكية كريستين روزن والتي كتبت عن تجربتها في استخدام قارئ إلكتروني لتقرأ رواية للأديب الشهير تشارلز ديكنز (وسنرى الفرق الكبير فيما بعد بين قراءة الكتاب والقراءة من شاشة)، فتقول: «أحسست أن القارئ الالكتروني محير في البداية إلا أني تأقلمت بسرعة، لكن رغم ذلك فإن عينيَّ صارتا متململتان لا تهدآن وتحركتا كثيراً، بنفس الطريقة عندما أقرأ على الحاسب.. كثرت التشتيتات، مثلاً بحثتُ عن ديكنز في ويكيبيديا، ثم قفزت إلى رابط عن قصة قصيرة كتبها ديكنز، وبعد عشرين دقيقة لا زلت لم أعد لقراءة كتابي».
أتت الانترنت بمنافع، لكنها أتت بأضرار أيضاً، منها أشياء تبدو طيبة لكن يتضح ضررها فيما بعد، كالروابط، والتي ظاهرها النفع لكن على المدى البعيد لها تأثير سلبي على معرفتك وتركيزك.