د. عمر بن عبدالعزيز المحمود
أُسدل الستار قبل أيام على فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2016م، الذي أبدعتْ في تنظيمه مشكورة وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام التي اختارت شعاراً جميلاً لهذه المناسبة الثقافية الكبرى «الكتاب ذاكرة لا تشيخ»، بعد أن قدَّمتْ الثقافةُ نفسها بمثالية، طوال 10 أيام في العاصمة الرياض، مؤكدةً أن الكتاب ذاكرة لا تشيخ.
واللافت هذا العام الإقبال الكبير الذي شهده المعرض، حيث أفادت الإحصائيات أن زواره تجاوزوا 350 ألف زائر، اطلعوا على ما قدَّمته 500 دار نشر، اجتمعت في مساحة 7 آلاف متر مربع، لعرض أكثر من مليون و200 عنوان، وبرنامجٍ ثقافي مصاحب تضمن 40 فعالية متنوعة بين ندواتٍ وورش عملٍ وأمسياتٍ شعرية ومسرحية، تولى إحياءها نخبة من العلماء والكتّاب والشعراء والأدباء والفنانين والمثقفين من داخل المملكة وخارجها، وفعاليات للطفل والمرأة قدمت جملة من البرامج الثقافية والتربوية والاجتماعية، وليس غريباً على الرياض حين تزينت بثياب الثقافة ولآلئ الفكر حين احتضنت هذا المعرض الذي كان بمثابة عرس ثقافي كبير استمتع به زوار الرياض من أصقاع العالم قبل ساكنيها.
وأذكر أنني كنتُ أكتب مقالاً في نهاية كل معرض في السنوات الثلاث الأخيرة، أنتقد فيها بعض الأمور والإجراءات والتنظيمات التي أصادفها في المعرض، متمنياً وقتها أن ينظر إليها المسؤولون بعين الاهتمام، وللحق فإنَّ المعرض هذا العام قد شهد تطوراً كبيراً عن السنوات الماضية على كافة المستويات: الإعلامية والتنظيمية والثقافية، غير أنَّ هذا لن يمنعني من الاستمرار في عرض السلبيات والإشارة إلى بعض المآخذ التي لا أزال أرى أنَّ المعرض ينبغي أن يتجنبها؛ لكي يظهر العرس الثقافي الذي تتزين به الرياض في أجمل منظر وأبهى حلة.
ولعل من أهم هذه المآخذ عدم السير على منهجية واضحة في ترتيب دور النشر المنتشرة في أرجاء المعرض، حيث يجد الزائر فوضى عارمة في ترتيبها، وأقترح أن توضع الدور المتشابهة في التخصص بجانب بعضها حتى يمكن للمهتم بتخصص معين الحصول على بغيته في أقصر وقت بدلاً من البحث في جميع الدور.ولعل من المآخذ أيضاً قصر مدة المعرض، سواء على مستوى ساعات اليوم الواحد أو على مستوى عدد الأيام، وكم تمنيت أن يبدأ افتتاح المعرض من الساعة الثامنة صباحاً ويستمر حتى الثانية عشرة ليلاً، كما أني لا أرى مانعاً من زيادة أيامه عن العشرة قدر الإمكان، فكثير من المتلهفين لحضور هذه التظاهرة الثقافية الكبرى قد لا يتمكنون من المشاركة فيها بسبب قصر أيامه، ومثل هذا العرس الثقافي حقه أن يستمر أسبوعين على الأقل.
كما أن مما يُؤخذ على المعرض هذا السنة الضعف الإعلامي المصاحب لهذا الوجه الحضاري المشرق، وليت وسائل الإعلام تعطي معرض الكتاب الزخم الإعلامي الذي يتسق مع مثل هذه المناسبات الثقافية التي لا تتكرر إلا في السنة مرة، أريد أن أرى ترويجاً ودعايةً لهذا العرس الفكري كما تفعل هذه الوسائل مع مباراة نهائية بين النصر والهلال! أريد أن تمتلئ الطرقات بلوحات دعائية عن المعرض وعن أوقاته وعن برامجه الثقافية المصاحبة، أريد أن يعرف الصغير قبل الكبير والعامي قبل المثقف أنَّ رياضه تتزين بهذا المحفل الثقافي الضخم، وتدعوه إلى وجبات فاخرة من الثقافة والفكر والأدب.
وهذا يقودني إلى ضعفٍ إعلامي آخر عانتْ منه البرامج الثقافية المصاحبة للمعرض، حيث لا يجد الناظر تلك الجهود الإعلامية الكبرى في الدعوة إلى حضور والمشاركة في هذه البرامج والفعاليات، ولعل هذا من أهم الأسباب التي أدت إلى ضعف الحضور.
ومن الأمور التي ما زلت أراها تسبب إشكالية كبرى في المعرض ما يتصل بجشع بعض الدور واستغلالها لحاجة الزائر المسكين، حيث تتعمد بعض الدور رفع أسعار بعض الكتب التي يلاحظون أن عليها إقبالاً كبيراً من الزوار، وكم رأيتُ من كتابٍ في معارض خارجية قد تضاعف سعره في معرض الرياض! وليت القائمين على المعرض يخصصون رقماً مجانياً أو موقعاً في وسائل التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن مثل هذه الحالات، حتى يجري التعامل معها بشكل صارم.
كما أني ما زلتُ عند رأيي في منصات التوقيع، تلك الظاهرة التي لا أعرف مغزى من ورائها سوى إبراز صورة من صور (الهياط) الثقافي، ورغبةً في الشهرة والظهور، وكأنَّ صدور كتابٍ - ربما كان سخيفاً - لصاحبنا الموقِّع لم يكن يكفيه لإرضاء شهوته في البروز و»الترزز»، فاستمات طالباً منحه منصةً للتوقيع! وليت المسؤولين عن المعرض يلغون هذه المنصات التي لم تفد المعرض في شيء سوى تزاحم مجموعة من المساكين كي ينالوا شرف توقيع مؤلفهم العبقري!
هذه ملاحظات صغيرة قصيرة لا يمكن أبداً أن تنقص من الجهود التي تبذلها وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام في إخراج مثل هذه المناسبة الثقافية في أبدع صورة، وحُقَّ لها أن تشكر على ذلك، كما يمتدُّ الشكر إلى لجانها الثقافية والتنظيمية والإعلامية التي قامت بدور لا ينكر في إبراز هذا الوجه الحضاري المشرق لعاصمة الوطن الحبيبة الرياض، وكل عام وأنتم والكتاب بخير.