د.علي القرني
أصبحت الدول لها ملامحها التي تشكِّل شخصيتها العامة أمام الرأي العام العالمي، فلها عَلَمها ونشيدها وألوانها وإذاعاتها وقنواتها، ولكن أخيراً أصبح لها منتخباتها الرياضية. فمنتخب الدولة أصبح جزءاً من شخصيتها الوطنية
لما يمثلها من تمثيل حضوري في محافل دولية إقليمية وعالمية. وأصبحت بعض الدول تعرف ليس بعَلمها وجغرافيتها وتاريخها، ولكن من خلال منتخباتها. ولو حظيت أي دولة من الدول بمنتخب رياضي ناجح، فتكون تلك الدولة قد حققت وصول علمها وجغرافيتها وتاريخها ومجتمعها إلى العالم من خلال مشاركاتها في محافل عالمية رياضية.
لقد عانى المنتخب السعودي ولعشرة أعوام متواصلة من الإخفاق في الوصول إلى التأهل لكأس العالم، وهذا لا شك أحبط المهتمين الرياضيين، ولكنه أيضاً أحبط المواطنين السعوديين في الإجمال، حيث غاب منتخب بلدهم عن الحضور في أهم كرنفال عالمي رياضي لدورتين متتاليتين، بعد أن أثبت حضوره في ثلاث دورات سابقة. وهذا الغياب هو غياب ليس لـ23 لاعباً أو طاقم إدارة أو طاقم تدريبي، ولكنه غياب عن حضور المملكة كدولة ومجتمع عن مثل هذه المحافل العالمية.
ومنتخبنا الوطني في كرة القدم اليوم هو أقرب ما يكون إلى إمكانية التأهل إلى كأس العالم في روسيا، بعد التصفيات التمهيدية التي احتل فيها صدارة المجموعة، وسيواجه تصفيات أقوى وأصعب في سبتمبر القادم، ولهذا فنحن هنا نؤكد أهمية تجاوز منتخبنا الوطني لهذه التصفيات وتأهله لكأس العالم القادمة. وهذا طبعاً ما نتمناه جميعنا، في وصولنا إلى روسيا بمنتخب منافس يقوى على المواجهات الأقوى في تلك المنافسات العالمية.
ولا نريد أن تذهب أمنياتنا سدى، فالمنتخب لديه فرصة كبيرة في التأهل إذا نحن قدمنا له المتطلبات والاحتياجات التي تستحقها هذه المرحلة. واقترح فوراً تشكيل لجنة وطنية لمتابعة هذا الموضوع وإعطائه الأهمية القصوى من الدعم والتوجيه. ومن الخطأ التفكير أن المنتخب الوطني هو شأن رياضي بحت، ففي نظري أنه شأن وطني ويستحق الدعم الاستثنائي له في هذه المرحلة.
يجب أن ننظر إلى وصول منتخب المملكة ليس مجرد حدث رياضي رغم أهمية مثل هذا الحدث، ولكن يجب أن ننظر إليه كحدث إعلامي كبير، ونعلم أن كثيراً من الدول تنفق مئات ملايين الدولارات على حملة علاقات عامة لتحسين صورتها أو صناعة صورة لها تماماً كما تفعل الشركات الكبرى. وكأس العالم هو أعلى ذروة مشاهدة في تاريخ البشرية كما هو معروف في الصناعة الإعلامية. ووصول دولة من الدول إلى مثل هذا المحفل العالمي هو نجاح كبير أفضل من حملة علاقات عامة كبرى لأفضل شركة علاقات عامة في العالم.
إن مفهوم الدبلوماسية العامة أو الدبلوماسية الشعبية public diplomacy هو دبلوماسية بديلة للدبلوماسية المعروفة التي تصنعها وزارات الخارجية أو السفارات في الدول، فهي دبلوماسية من الشعوب للشعوب، وهذا هو الأبقى والأكثر تأثيراً في الرأي العام العالمي. واهتمت كثير من الدول الغربية بانتهاج أساليب الدبلوماسيات العامة لأن سياساتها الخارجية أخفقت في الوصول إلى تحقيق أهدافها، أو أنها رأت أن الوصول إلى الشعوب لا يمكن أن يحدث دون مثل هذا النوع من أنواع الدبلوماسيات.
وفي رأيي أن وصول منتخب المملكة إلى كأس العالم ورفع علم المملكة وأداء النشيد الوطني والحضور السعودي هناك هو بمنزلة دبلوماسية شعبية عامة موجهة للعالم، ويجب أن ننتهز مثل هذه الفرصة، فهي من الفرص النادرة التي تأتي كل أربعة أعوام، وهي ميدان واسع لظهور المملكة إلى العالم بشخصيتنا الوطنية العربية المسلمة. وما أرجوه هو أن يتم تسخير كل سبل الدعم المادي والمعنوي لدعم المنتخب حتى يتأهل إلى كأس العالم في روسيا، فهذا ليس فقط مطلباً جماهيرياً، بل هو مطلب وطني كبير.
ينبغي أن ننظر إلى مثل هذا الحدث كحدث إعلامي كبير ونجهز له بكل الوسائل ونجند له كل الإمكانات، وباعتبار أن اللاعبين هم روح المنتخب وثروة وطنية للبلاد يجب أن تكون التحفيزات كبيرة لهم في مشوارهم نحو العالمية من الناحية المادية والمعنوية، وألاَّ نبخل عليهم بأي احتياجات تتطلبها ظروفهم القادمة. وفي هذا الخصوص ربما أن الدولة لا توكل أمر المساعدة على ميزانية رعاية الشباب أو اتحاد الكرة، فأقترح تخصيص ميزانية خاصة لمشوار المملكة نحو العالمية في هذا الميدان.