د.علي القرني
لا يزال الإرهاب يبحث عن الأهداف البريئة في محطاته الدموية التي يتنقل منها من عاصمة إلى عاصمة، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دولة إلى دولة أخرى، وأخيراً وليس آخرها التفجيرات الدموية في العاصمة البلجيكية بروكسل،
والتي أودت بعشرات الأبرياء ممن كان في مطار بروكسل الذي يعد من المطارات الكبيرة في أوروبا، أو محطة الميترو التي يستهدمها مئات آلاف بل الملايين يومياً. وأزعم أن الكثير من الأنفس المسلمة قد زهقت أرواحها في هذه الأماكن كما في أماكن أخرى في باريس أو أبها أو المنطقة الشرقية.
ولا يفرق الإرهاب بين شخص وآخر طالما هدفه قتل أناس أبرياء وهم يمارسون حياتهم العادية ذهاباً أو اياباً إلى أماكن عملهم أو منازلهم، أو وهم في مطاعم أو في أماكن عامة، وحتى في المساجد التي هي دور آمنة للعبادة وصلت إليها أيادي الإرهاب. والإرهاب أصبح مهنة من لا مهنة له، أو مهنة من أراد أن يكسب أضواء إعلامية على حساب أنفس تزهق وأرواح تغتال. ومن المعروف أن الذين يتم تجنيدهم في الأغلب من قبل تنظيم داعش وقبله القاعدة وغيرهما من المنظمات الإرهابية هم على هامش مجتمعاتهم ولم يكونوا أبداً في مركز القيم المجتمعية أو في قلب الحياة الإنسانية.
وعمليات الاستقطاب التي تتم من خلال هذه المنظمات الإرهابية تستهدف هؤلاء الأشخاص من ذوي النفسيات الضعيفة التي لم تستطع أن تتعايش مع ذاتها قبل أن تتعايش مع مجتمعها، حيث بات من المعروف أن خريجي سجون وأصحاب سوابق وذوي التباسات فكرية وسلوكية هم من ينفذ العمليات الإرهابية في كل الأماكن، واستطاعت قيادات التنظيمات الإرهابية أن تجند صغارها أمثال هؤلاء مستصغرة عليهم البقاء أحياء في هذه الدنيا ليكونوا خراف ضحايا يتم التضحية بهم. وقد نجحت هذه القيادات في اصطياد العديد من هؤلاء واقتيادهم إلى أماكن حتفهم الأخير. ومعروف أن الدور الذي يقومون به هو لبس حزام ناسف والضغط على زر التفجير بعد أن يتوسطوا العشرات من الأناس الأبرياء، وهذه مهنة جديدة استحدثتها المنظمات الإرهابية لهؤلاء الذين يعيشون على هامش أنفسهم وعلى هامش مجتمعاتهم.
والبعض من هؤلاء يريد أن يحقق بطولات لقضايا تنادي بها منظمات الإرهاب دون أن يعرفوا عن تلك القضية أو تلك المبادئ شيئاً، والدليل أن من يأتي من أوروبا على سبيل المثال ليس لهم ناقة أو جمل، كما ليس لهم معرفة بأبسط قواعد الدين الإسلامي، ويأتون إلى سوريا والعراق ليس من أجل الإسلام في شيء ولكن من أجل أن يسددوا فواتير لمجتمعاتهم ويخلقوا لهم بطولات ضعيفة بقتل أناس أبرياء في الأسواق أو المساجد أو محطات القطارات أو مراكز المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. ويتوافق هؤلاء المنفذون للتفجيرات على أنهم قد انعدموا من أدنى المسئولية الإنسانية فيفجرون في الأطفال والنساء والشيوخ وكل روح إنسانية تكون أمامهم.
وللأسف فقد حملت هذه التنظيمات الإرهابية الإسلام كل هذه العمليات الدموية والقتل والتفجيرات التي تؤدي بحياة المئات من الأبرياء في مناطق مختلفة من العالم. ويتم بدفع الإسلام كمحرك لهذه المنظمات. وهذا يعطي أشخاصاً ومؤسسات تستعدي الإسلام حججها وبراهينها على دموية الإسلام وتطرفه ضد الأديان الأخرى وضد الإنسانية، وهذا ذنب عظيم يرتكبه كل من يقتنع بالفكر الإرهابي ويمارسه ويجنده سبباً في مقاتلة الناس في كل الديانات بما فيها الإسلام ذاته. ولكن الله سينتصر لدينه وسيعلم هؤلاء أي منقلب سينقلبون في الدنيا أو الآخرة.