د.علي القرني
من أهم ما تتميز بها صحافتنا الوطنية هو أن لديها مساحة عريضة من إمكانيات التطوير المهني الذي يمكن أن يضرب بجذوره في أعماق الصحف، ويخلخل كيانات بعض الصحف على أقل تقدير.
والصحافة الورقية مع التنافس الهائل الذي تواجهه من الصحافة الإلكترونية - ولنقل بدقة الإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي - التي أصبحت كل وسيلة - تويتر أو فيسبوك أو حتى يوتيوب - عبارة عن نشرات أخبار سريعة وفورية وآراء نارية مدوية تسترعي الاهتمام ليس لصدقيتها في كثير من الأحوال بل لمخالفتها المألوف.
ومن هنا تظل الصحافة الوطنية تحت وطأة تنافس هائل من «الإنترنت وبناته».. وتنافس إضافي بينها وبين بعضها، وسيأتي يوم يأكل الكبير الصغير، ويصبح الصغير في طي النسيان، إلا على صفحات التاريخ وكتب التوثيق الصحافي. ولا نبتدع شيئا في هذه المقولة، لأن التاريخ فعلاً يشير إلى أن المؤسسات الكبرى والشركات الكبرى تبتلع المؤسسات والشركات الصغرى، وهذه لغة اقتصادية معروفة وليست لغة خارج سياق التاريخ أو المجد الوطني.
وربما يتبادر إلى أذهاننا سؤال محوري في موضوع الحالة الصحافية السعودية نتيجة الوضع القائم.. هل سنعود إلى مرحلة صحافة الدمج، التي كانت فاصلة بين صحافة الأفراد وصحافة المؤسسات الصحافية التي لا زلنا نعيشها إلى اليوم؟ هذا سؤال ينبغي على المؤسسات الصحافية أن تبحث فيه جيداً ويجب أن يرتفع النقاش فيه إلى ساحات الحوار ومنصات التجادل حتى تتبلور الفكرة بشكل جيد وتنضج بمستوى عقلي. والمقصود بعملية الدمج ليس بالضرووة أن يكون بين مؤسسة كبرى ومؤسسة صغرى، فقد يعني ذلك اندماج مؤسستين كبريتين مع بعضهما لتعظيم قوتها في السوق وتنجيح رسالتها الوطنية وتقوية حضورها في كل مكان. وعادة في الولايات المتحدة يتناسب الاندماج لصحيفتين من نفس المدينة أو المنطقة، حيث يتم إعادة هيكلة كلتا المؤسستين في مؤسسة واحدة أكثر نجاحاً. ولا يعني هذا أن فكرة اندماج مؤسسة كبرى مع مؤسسة صغرى غير واردة، فكل الخيارات متاحة.
ونستذكر هنا أن الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما اجتمع برؤساء تحرير صحف الأفراد في مطلع الستينيات الميلادية الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي كانت فكرته - وهي نفس الفكرة التي نسوق لها الآن - هو أن اندماج الصحف سيعطيها إمكانيات أكبر وفرصاً أعظم.. وهذا ما نحتاجه حاليا مع الوضعية الاقتصادية التي تعاني منها بعض مؤسساتنا الصحافية.
ومن المعروف لدينا - ولدى الجميع - أن الصحف الورقية في المملكة وقبلها في العالم تعاني من ضغوطات اقتصادية نتيجة أزمتين تعيشها هذه الصحف وهما انحدار أرقام التوزيع وانخفاض نسبة الإعلانات، وكلاهما شرايين حيوية لبقاء الصحف واستمرارها. ونحن في المملكة تعاني - لنقل بموضوعية - بعض صحفنا وليس جميعها من تأثير الحالة الإنترنتية على الصحف، فقد انخفضت أرقام التوزيع في كثير من الصحف نتيجة هجرة القارئ إلى الإنترنت، كما تقلص الدخل الإعلاني نتيجة توجه المعلن لمنافذ إلكترونية جديدة، وهو ما يمكن أن أطلق عليه هنا «موسم الهجرة ليس للشمال كما ذكره المرحوم الطيب صالح، ولكن «موسم الهجرة إلى الشاشات» وليس الورق..
اعلم أن مثل هذه الفكرة - صحافة الدمج - هي ربما صدمة للبعض، وكأننا نتحدث هنا عن مبدأ سيادة واستقلال، ولكن الحقيقة يجب أن ننظر إليها كفرصة من الفرص المتاحة، حيث يمكن أن تزيد المؤسسات الكبرى من حصصها ومكانتها وأدوارها، كما ينبغي أن تنظر المؤسسات الصغيرة إلى فرص الاندماج كخطة انقاذ لها من التوقف النهائي ولفظ أنفاسها الأخيرة. إنّ مشروع التحول الوطني الذي تبنته الدولة وهو قيد التنفيذ على مستوى مؤسسات الدولة يجب أن يكون دافعاً لنا للتفكير في تقوية وتعظيم مؤسساتنا الإعلامية من خلال أفكار جديدة تساهم في إعادة بث الحياة وتدوير النجاحات في المؤسسات الإعلامية.