د.علي القرني
لا أستطيع أن أشبه السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله إلا بإعلام أحمد سعيد، وهو الإعلامي المصري الشهير الذي كان يجلجل في إذاعة صوت العرب في عهد الرئيس جمال عبدالناصر في حرب أو لنقل هزيمة 1967م، حيث علا صوته فوق صوت الجميع مبشرا بالنصر في حين أن إسرائيل قد احتلت سيناء مع الضفة الغربية والجولان السورية.
والسيد نصر الله في خطاباته يشبه السيد أحمد سعيد في عنصر المبالغة الشديدة وفي عنصر ادعاء النصر والتفوق على العالم، وعندما استمع له أمام حشود جمعها أمامه أشعر أن رؤوس هولاء تدرك تماما الظاهرة الصوتية التي يلاحظونها في أمينهم العام، كما لا تفوتهم الابتسامة الساخرة التي تبدو عليه بين الحين والآخر عندما يحاول أن يرسل تطميناته لجماهيره حول موقف أو حدث يثير شكوكهم ويثير ارتيابهم. فيلجأ الى تلك الابتسامة الواهية ليقنعهم أن الأمور تحت السيطرة ولا داعي للقلق، ولكنهم يدركون تماما أن أمينهم العام يولد القلق والحيرة وينتابهم الخوف والتوجس من المسار الذي يسيرهم إليه أمينهم العام.
ولاشك أن سطوة السيد نصر الله على الحزب هي سطوة ديكتاتورية لا مثيل لها في أي حزب من أحزاب العالم، فهو الوحيد الذي يدير شئون الحزب، وصوته هو الصوت الواحد الذي يغرد باسم حزب الله، وهو المرجع الأخير لكل صغيرة وكبيرة، ولم يَعط السيد نصرالله أي فرصة أبدا لأي شخص في الحزب أن يظهر منافسا له أو مصرحا عنه أو شارحا رأيه. إن سطوة الصوت الواحد لا توجد إلا في تنظيم حزب الله، رغم وجود قيادات عديدة في الحزب من حقها التقديري أن تظهر في سلالم الحزب، ولكن السيد نصر الله سحق الجميع وأسكت أصوات الرأي الآخر، وبقى هو صاحب الصوت الواحد في كوادره الحزبية.
ولو تجول المشاهد العربي على مختلف القنوات الفضائية وأنصت لنشرات الأخبار لما وجد صوتا يعلو فوق صوت نصر الله كما كان يفعل أحمد سعيد في هزيمة الأيام الستة. ويجب أن أستدرك أن هناك أشخاصا يتحدث عنهم السيد نصر الله في خطبه الملتهبة، ولكنهم للأسف مجرد صور وأسماء لأموات رجعوا له في توابيتهم من سوريا أو العراق أو أماكن أخرى، فهولاء هم الاستثناء الوحيد الذي يمكن لنصر الله أن يبرزهم من حزبه، بعد أن انتفى تأثيرهم على مجريات الحزب الحالية.
ويحب أن نذكر هنا أن المرحوم عبدالله القصيمي صاحب كتاب (العرب ظاهرة صوتية) قد شخص كثيرا من مآسي العالم العربي، ولو كان لهذا الكتاب أن يكون له طبعة جديدة لدخل السيد نصرالله هذا الكتاب من أوسع ابوابه، ولنحت له مكانة دائمة له في رموز الظاهرة الصوتية أو الظاهرة الكلامية التي كتب عنها عبدالله القصيمي. لقد تحول السيد حسن نصر الله في الفترة الأخيرة من خطيب سياسي إلى مايشبه (ستاند أب كوميدي)، محاولا أن يضحك جمهوره ويولد في قلوبهم البهجة والفرح، وهذا لاشك تحول نوعي في شخصية السيد نصر الله، ولم يأت هذا من فراغ، ولكنه يحاول أن يصرف أنظار الكوادر الحزبية عن «توابيت العودة» التي يستقبلها نصر الله يوميا، وانهزامية المبادئ التي كان يراهن عليها الحزب، وكان يراهن عليها اللبنانيون.
كما أن السيد حسن نصرالله وجد أن تلفيق التهم واعتساف الحقائق وخلط الأوراق هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يرضي بها غروره وغرور أنصاره، ويحاول جاهدا وبكل حججه الواهية أن يربط بين المملكة وبين إسرائيل، وكان يحاول أن يقود المشاهد إلى نتيجة أن المملكة كانت وراء التطبيع مع إسرائيل وأوهم المشاهد أن دعوة النائب المصري للسفير الإسرائيلي في منزله لتناول العشاء كانت ورائه المملكة. يحاول السيد نصر الله أن يصنع كذبة كبرى ويتمنى أن يصدقها العالم، وكلما كانت الكذبة كبيرة أمكن تصديقها، كما كان جوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر ينادي به في حملاته الدعائية في الحرب العالمية الثانية.
والمشكلتان الكبريان التي يعاني منهما السيد نصرالله هى
(1) أنه يفترض جهل الجمهور العربي وعدم انتباهه أو تدقيقه في ما يقوله، كأن يقول مثلا أن القرار السياسي والعسكري لحزب الله هو قرار سيادي وليس لأحد أن يتدخل فيه حتى إيران لا تتدخل أبدا في قرارات حزب الله، مستثنيا فقط الفتاوى التي كان يحتاجها كمرجعية دينية له في اتخاذ قراراته، وكأنه يقول أن السيد علي خامنئي قد أفتى له بمحاربة المواطنين السوريين وقتل أطفالهم ونسائهم، وصعب لنا أن نفهم الفتوى الدينية التي نطق بها خامنيئي وأجاز للحرس الثوري أن يدخل ويقتل المواطنين السوريين، فهي فتوى دينية في نظره، ولكننا ننظر إليها هي أوامر لحزب الله للتدخل ومشاركة الحرس الثوري في قتل السوريين. وهناك أمثلة كثيرة يفترض السيد نصر الله جهل المواطن العربي بها.
(2) سكوته عن الحقائق المؤلمة والمكشوفة التي يدركها العالم ولكنه يدفن رأسه في التراب من أجل ألا يمر عليها او يتناولها. فالسيد نصر الله يتناسي - مثلا - أن تدخل المملكة ودول الخليج العربي مع دول أخرى في اليمن هو بسبب أن أنصاره وأنصار إيران من الحوثيين قد سطوا على السلطة الشرعية، وهذه الحقيقة لايمكن أن تأتي في خطابات نصر الله، فهو يتحدث عن النتائج متناسيا الأسباب.
وأخيرا، يظل السيد نصر الله ظاهرة صوتية وندعو إلى دراستها كنموذج للظواهر الصوتية/ الكلامية التي تمر على العالم العربي بين وقت وآخر، كما ينبغي أن يتم استخراج الأساليب «الالتفافية» التي ينهج إليها السيد نصر الله في خطبه في الآونة الأخيرة. أما مسألة ارتهان الحزب لإيران فادعو لعدم دراسة هذا الأمر لأنه من الأمور المحسومة سلفا، والعالم بأجمعه يدرك أن قوات حزب الله ليست إلا امتدادا للحرس الجمهوري بجوازات لبنانية، ولا نعلم إذا لدى الكوادر العليا في الحزب جوازات إيرانية أو لا؟ وإذا لديهم فهذا من حقهم الطبيعي أن يكون لديهم ازدواجية ولاء كما هي الحالة مع أمينهم العام.