د.علي القرني
من المؤكد أن خارطة جديدة لسوريا قد تم رسمها وتم اعتمادها من قبل القوتين الأعظم روسيا والولايات المتحدة، وربما تشارك في هذا الرسم قوى أخرى. وهذا ليس وليد الأيام والأسابيع الماضية بل هو من فترة طويلة منذ تأزمات الحالة السورية واستعصاء حلولها،
فليس غريبا أن يصرح رئيس الجهاز الاستخباراتي الفرنسي قبل أشهر أن سوريا لن تكون سوريا كما عرفناها، وكذلك هو أضاف أن العراق لن يكون العراق كما عرفناه.. وليس بالضرورة أن تكون فرنسا مشاركة في فكرة التقسيم، لكنها قد تكون مطلعة على ما يجري وراء كواليس الكرملن والبيت الأبيض.
والتقسيم هي الخطة (ب) التي لم تعلن عنها روسيا لأنها لا زالت متعشمة أن تكون خطة (أ) هي التي سيتم تنفيذها عندما تدخل بوتن في إرسال قواته إلى سوريا جوا وبحرا وبرا، وحاول أن يستعرض فيه أول اختبار لأسلحته في ميدان المعركة. إن خطة بوتن (أ) هي أن تبقى سوريا موحدة تحت قيادة الرئيس بشار الأسد، وأن يتم دحر المعارضة وتركيعها لنظام بشار.. وعندما يتحقق لروسيا هذا المبتغى يمكن أن تحقق روسيا لها هدفا إستراتيجيا في بقاء موطئ قدم لها في البحر الأبيض المتوسط. ولدولة عظمى مثل روسيا لا بد أن يكون لها أجواء دافئة في أهم بحار العالم (البحر الأبيض المتوسط) الذي يتقاطع مع ثلاث قارات في العالم آسيا وافريقيا وأوربا.
أما الخطة (ب) التي لم يعلن عنها بوتن، ولا يريد أبدا أن يعلن عنها لأن معنى ذلك هزيمة أهداف بوتن في سوريا، ولكن الخطة البديله (ب) هي تقسيم سوريا، لأنها خطة الحد الأدنى من الأطماع الروسية في سوريا، بحيث يبقى بشار الأسد في منطقة على الساحل ، ويبقى ميناء اللاذقية تحت الهيمنة الروسية، وهنا يتحقق لروسيا الحد الأدنى من المكاسب في سوريا. ويجب التنويه هنا أن روسيا قد اضطرت الى القبول بالخطة (ب) رغما عنها لأن وضع النظام السوري بقيادة الأسد ليس له مستقبل في الداخل السوري وفي المحيط العربي وعلى المستوى الدولي، ولربما الدولتان الوحيدتان اللتان تحرصان على بقاء بشار السد هما إيران وإسرائيل الى جانب روسيا، إيران لكونها ترى في سوريا منطقة نفوذ استراتيجي لها، وإسرائيل لأن نظام الأسد يحقق أهداف الأمن الإسرائيلي بامتياز ومنذ حرب 1973م.
وروسيا دخلت حرب حقيقية في سوريا وتعلم أنها لن تكسب الحرب مهما كانت الظروف، لأنها في صف نظام خسر شعبه، وخسر أبسط قواعد اللعبة السياسية، كما خسر الرأي العام العربي والإسلامي والدولي. ويبقى نظام الأسد من الأنظمة المنبوذة في العالم. ولهذا روسيا تدعي أنها لا تعرف الخطة (ب) التي كان يتحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي لأنها توقعت بادئ ذي بدء أنها خطة التدخل البري الذي كانت تنوه عنه كل من المملكة وتركيا، ولكن الوضع تم رسمه في أعلى مستويات القرار الأمريكي والروسي في تقسيم سوريا كحل إستراتيجي للأزمة ولتحقيق أهداف ومصالح مشتركة.
إن سيناريوهات التقسيم عادة يتم التخطيط لها من سنوات وأحيانا عقود ماضية، وهذا ما عنت به كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأمريكي السابقة عندما قالت إن الشرق الأوسط مقبل على فوضى خلاقة، وهذا ما حدث فعلا بداية بالربيع العربي، وماتلاه وخلاله من تهاوي أنظمة سياسية ورحيل قيادات تاريخية في المنطقة، ثم تنتهي بفكرة التقسيم. وبدأت فكرة التقسيم في السودان، وكانت متجهة الى مصر باستغلال انصياع الرئاسة الإخوانية لفكرة التقسيم وانفصال غزة عن مصر وانضمامها لغزة لتكون دولة إسلامية هناك، وهذا ما أعلنت عنه وزيرة الخارجية السابقة المرشحة الديموقراطية للرئاسة الحالية هيلاري كلنتون في كتابها. وسوريا والعراق في قمة أجندة الاهتمام التآمري على منطقة الشرق الأوسط.
يبقى السؤال هو هل ستنصاع المعارضة السورية والشعب السوري لفكرة التقسيم: تقسيم سوريا إلى علويين ودروز وأكراد وسنة؟ فهم المعنيون تمام بهذا الشأن، ويبقى الدور التاريخي هو لهم في وقفة تقف ضد مبدأ التقسيم الذي بدأ يدب في الجسد السوري قليلا قليلا إلى أن تتوزع المناطق بين الأقليات السورية، وتصبح أمرا واقعا.