د. عبدالرحمن الشلاش
في الوقت الحالي لا يحتاج الرزق الحلو والسريع للبحث المضني وبذل الجهد، كل ما يحتاجه الراغب في الشهرة وحجز مقعد ضمن مشاهير الغفلة في زمن الإعلام الجديد كاميرا جوال وجرأة أو حتى وقاحة لاقتحام حياة الناس وتصوير كل ما يرى فيه إثارة للناس وإحداث ردود فعل قوية جدا منهم.
طبعا الأجواء مهيئة لمساعدة أي مغامر فالمواقع تتلقف كل شيء، ووضع هاشتاق في تويتر لا يستغرق سوى ثوان، أما نشر المقاطع أو الصور في بقية المواقع فأمر في غاية السهولة، والانتشار مضمون، ثم يأتي دور القنوات الفضائية في إجراء المقابلات واللقاءات والحوارات مع هؤلاء الفارغين وكأنهم قد قاموا بأدوار بطولية فريدة من نوعها.
سأستعرض بعض الحالات التي حدثت خلال الأسبوعين الماضيين وانعكاساتها الاجتماعية. مجموعة من الأطفال يلعبون في مجلس عمهم والذي عرف عبر الإعلام الجديد بمعيض. يدخل عليهم العم ليضربهم ثم يشتمهم ليأخذ الأطفال المقطع وينشروه في حساباتهم، دفعهم لهذا الفعل الهوس الشديد لدى المتابعين في تلقف ما ينشر وهو ما اضطر أصحاب الحسابات لخلق أي موقف يتم تصويره تمهيدا لعرضه مباشرة. بعد نشر المقطع وصلت ردود الفعل الذروة وتباينت حول ما حدث بين مؤيد ومعارض ومن رأى في الضرب جريمة ومن رأى بأن ما حدث أمر طبيعي ! وقليل مالوا إلى أن المقطع سخيف لا يستحق كل تلك الضجة وهم عقلاء القوم!
بعيدا عن أن المقطع عفوي أو مفتعل فالأهم أن الأطفال وعمهم قد حصلوا على أكثر مما كانوا يطمحون إليه ويفكرون فيه حين تطوعت بعض الشركات لتقديم جوائز للأطفال وعمهم. مقدم برنامج رياضي رأى في الحدث ما يستحق فتطوع لاستضافة المجموعة وتعريف الناس بهم. يعني ترك كل الأحداث الهامة ليبرز هذا الحدث الذي لا يستحق التوقف عنده أو مناقشته.
بادرة البرنامج الرياضي دفعت مجموعات أخرى من الأطفال لإنتاج مقاطع بعضها خادش للحياء والذوق العام، لكن بعد فوات الأوان فمعيض وأبناء أخيه فازوا بالسبق وسيطروا على المشهد.
حالات أخرى كشفت هذه الاختراقات لخصوصيات الناس وكيف أنها قد فتحت مجالا واسعا للمتطفلين لكسب مزيد من المتابعين وإلا ما الذي يدفع أحد هؤلاء لتصوير رجل وزوجته وهما يتناولان الأكل في أحد المطاعم وقد وضع الرجل شماغه لتغطية النافذة القريبة من زوجته، وأيا كان الدافع فإن هذا التصرف يخص الزوجين و لا ينبغي لأحد أن يتدخل أو يصور، ولو كان هناك عقوبات رادعة لما أقدم هذا الشخص على فعلته.
نفس الأمر ينطبق على الشخص الذي أقدم على تصوير طالبات جامعة الأميرة نورة في تصرف مرفوض ليس في مجتمعنا فقط وإنما في كل المجتمعات التي تحترم حرية الفرد وخصوصياته، وما يسمح فيه وما لا يسمح فيه. لكل شخص حدود يضعها لنفسه، وخطوط حمراء يجب على الآخرين احترامها وعدم الاعتداء عليها.
أعتقد أن الأمور قد زادت وتجاوزت الحد ولا بد من تطبيق إجراءات قوية بحق أي متجاوز يمكن الوصول إليه، وإيقاف هذا المد المجنون تحت عنوان « صور واشتهر».