د. عبدالرحمن الشلاش
يجب أن تكون وزارة العمل واقعية جداً في تطبيقها لخطط السعودة، أي إحلال المواطنين السعوديين بدل الأجانب في وظائف القطاع الخاص، وهي الخطط التي ترمي إلى الإحلال الكامل للسعوديين بدلاً من الأجانب في مختلف الوظائف دون النظر لنوعية تلك الوظائف ومدى ملاءمتها للمواطنين، ومدى قدرة السعودي على القيام بالوظيفة، وكذلك تحمل العمل المتواصل لستة أيام في الأسبوع ولثماني ساعات في اليوم الواحد!
منذ السنة الأولى لتطبيق السعودة بدا واضحاً أن هناك عقبات كثيرة جداً تعوق تحقيق أهدافها، وفي مقدمة تلك المعوقات عدم مناسبة بعض الوظائف للمواطنين، ولو عمل أحدهم في إحدى تلك المهن، فإنه سرعان ما ينسحب منها إما نتيجة للضغوط أو العيب الاجتماعي الذي ما زال ينظر بازدراء لبعض المهن ويحقر من يعمل فيها، بل ويضغط عليه الأقارب والأصدقاء لترك المهنة أو الوظيفة في أسرع وقت ودون تفكير، أو بسبب طبيعة الوظيفة في القطاع الخاص وما تتطلبه من قضاء أوقات طويلة ناهيكم عن قلة الإجازات مقارنة بالقطاع الحكومي، وضعف الرواتب، لأنّ المؤسسات الخاصة ربحية بالدرجة الأولى، وبالتالي فتلك المؤسسات لا تعطي مرتبات عالية إلا لمن لديه مهارات وقدرات تستحق.
ستظل السعودة في وظائف ومهن معينة مستحيلة في ظل الثقافة الحالية، ولنذكر بعض تلك المهن ومنها الصرف الصحي أو الحفريات أو أعمال البناء تحت حرارة الشمس المحرقة صيفاً أو برودة الجو القارسة شتاء، وأعمال النظافة في الشوارع والمؤسسات وإعداد القهوة والشاي، ومهن أخرى الإقبال عليها ضعيف جداً وستبقى شئنا أم أبينا في عهدة العمالة الأجنبية وهو أمر مألوف في كثير من المجتمعات. في أمريكا أو أوربا معظم من يعملون في المهن التي ذكرت أجانب ولا تجد تلك المجتمعات غضاضة في ذلك، وغالبية مواطني تلك البلدان يعملون في الوظائف الإدارية والفنية والتقنية، في الشركات والمؤسسات في وظائف إشرافية أو قيادية، وفي إدارة الأفراد وفرق العمل وفي المحاسبة والتسويق والإدارة المالية والقانونية.
في ظل الوضع الحالي لن تجدي أي أساليب في إقناع الناس بتلك الوظائف، أو فرض السعودة بالقوة في تلك المهن والدخول مع القطاع الخاص في شد وجذب، فرداء السعودة قصير ولن يغطي كل الوظائف والمهن في القطاع الخاص، وكان الأولى بوزارة العمل تعديل المسار لتطبيق آليات أكثر جدوى مثل فرض التوظيف على القطاع الخاص في الأعمال القيادية والإدارية والإشرافية والمالية والقانونية بشكل كامل، وتدريب الشباب للعمل في هذه الوظائف، وبذلك يمكن توفير كثير من الوظائف لعدد كبير من الشباب والشابات من خريجي الجامعات والكليات والمعاهد في أعمال تجد قبولاً وتحقق طموحاً، وبإمكان وزارة العمل تحويل سوق التجزئة بالتعاون مع وزارة العمل إلى مشروعات صغيرة يديرها الشباب السعودي وبدعم مباشر من الدولة.
يجب أن تكون هناك مرونة في التوظيف دون ضغوطات، ويجب أن ندرك بأنّ هناك مهناً ووظائف تحتاج لمهارات لا يملكها السعودي أو لا يرغب العمل فيها، وفي ظل ضعف برامج التدريب يبقى الشباب دون مهارات عملية في فنون التفاوض والتعامل، وإلى أن يدرب شبابنا عليها يظل المجال متاحاً بصورة أكبر لغير السعودي، وتبقى خيارات السعوديين في الوظائف ذات الطابع المكتبي.