د. عبدالرحمن الشلاش
في عالم اليوم لا يستطيع أي مجتمع كبير أو حتى تجمع بشري صغير العيش داخل أسوار محكمة في عزلة تامة عن حراك المجتمعات والشعوب الأخرى بحيث يمنع أفراده من أي محاولات للحصول على ما لدى العالم الآخر من نتاجات ثقافية وفكرية.
أي شخص وبضغطة زر من جهازه المحمول سيجد العالم كله بين يديه، لذلك فالرهاب أي الخوف والهلع من انتشار الكتب وما تحويه من آراء في معارض الكتب أو المكتبات لا مبرر له في الوقت الحالي، بل إنه قد يأتي بنتائج عكسية فالحديث عن كتاب ممنوع والتشهير به سيغري الغالبية للبحث عنه والاطلاع عليه، وطرح الرأي المخالف لا يزعج متى وجدت الحجج والبراهين للرد عليه وتفنيده، أي مقارعة الحجة بحجة أقوى منها. أغلب من يرهبهم التوجه المخالف لا يتكئون على قاعدة صلبة قادرة على الثبات أمام الرأي المخالف ومدعمة بالرأي القوي لذلك تجدهم يلجأون لأساليب المنع والتحجير وقمع أصحاب العقليات الجريئة، وخلق الضوضاء وإشاعة الفوضى لإسكات الأصوات عنوة.
رفض الرأي المخالف ومحاولة إسكاته بالزجر والتقريع الذي يصل في أوقات للتصادم، واعتماد رأي أحادي لا يخدم حراك المجتمع نحو التجديد والتطوير بل يؤدي إلى التأخر والضعف وتخلف الأمة عن الأمم الأخرى. للخروج من هذا النفق المظلم بالإمكان صناعة هوية مميزة وثوابت واضحة يتشربها الأفراد منذ نعومة أظفارهم، واعتماد معايير أصيلة على قدر كبير من التوسط والاعتدال للحكم على الصالح والطالح، والمفيد وغير المفيد والجيد والرديء عندها لن نحتاج لحجب ومنع الكتب لأننا ربينا أجيالنا على الفرز الصحيح، ولا لإسكات الرأي الآخر بل محاورته ومجادلته بالتي هي أحسن سعياً للوصول للحقيقة ونقاط الاتفاق، أو إلى كلمة سواء.
أمضينا زمنا منذ انطلاقة أول معرض دولي للكتاب في مدينة الرياض ونحن نشهد كل سنة حوادث مسيئة ومشوهة لهذه التظاهرة الثقافية الفريدة. تارة بالتدخل لمنع كتب بحجة أنها كتب كفرية أو منحرفة وتارة باقتحام منصات المحاضرات والندوات لإيقاف المحاضرين وإسكاتهم دون محاورتهم، وهي أساليب فيها ما فيها من الوصاية المنتزعة بالقوة. هذا العام 1437 مرت الأيام الأولى من معرض الكتاب بحالات من الهدوء، وربما يفسر الأمر بجودة التنظيم واتخاذ التدابير والاحتياطات وهذا التفسير صحيح وفي محله، لكن هناك أيضا أسباب أخرى لا يمكن تجاهلها ومنها ارتفاع نسبة الوعي لدى معظم الناس ومن مؤشراته المادية الإقبال الكبير، والازدحام من جراء الاصطفاف لساعات أمام بوابة الدخول الرئيسية. لعلنا لا نغفل كذلك الحماسة لدى كثير من المؤلفين للمشاركة ويكفي أن عدد الموقعين على المؤلفات من المؤلفين السعوديين قد بلغ 300 مؤلف، كما أن عدد دور النشر التي تقدمت للمشاركة 1300 دار وتمت الموافقة لمشاركة 500 دار فقط.
حتى لو حصلت بعض الاحتجاجات الرهابية العارضة فلن تؤثر مطلقاً في مسيرة معرض فرض نفسه بقوة وأثبت على مدى السنين الماضية إن عجلاته لا تدور للخلف، وأن تظاهرة المعرض منتظرة بشغف من أغلب الناس.