د. محمد عبدالله العوين
تهدف إيران بتواطؤ «أمريكي» مكشوف إلى إقامة هلال شيعي، يمتد من إيران ويمر بالعراق إلى منطقة الشام، بما فيها سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.
ولا تخفي مطامعها في البحرين والجزء الممتد من دول الخليج على ما تسميه «الخليج الفارسي» ولا ينتهي هذا الطموح المجنح إلا إلى اليمن؛ ليستعيد الفرس أمجاد الإمبراطورية الفارسية قبل الإسلام التي امتدت في بعض المراحل إلى أجزاء من العراق وساحل الخليج واليمن.
إنه حلم متخم بحكايات التاريخ وأساطيره وأمجاده الغاربة، ونازف برغبات الانتقام من العرب والمسلمين الذين اندفعوا بعد ظهور الإسلام ليفتحوا بلاد فارس وما وراءها، ولتتشكل الإمبراطورية العربية الإسلامية خلال عقود قليلة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، ومن حدود جنوب جزيرة العرب إلى أقصى الممالك البيزنطية في الشمال.
دوافع الانتقام التي ما برحت الوجدان الفارسي منذ قادسية سعد بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي عام 15هـ الموافق 636م في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي الجانب الفارسي الآخر المنكسر رستم فرخزاد والهرمزان ومهران بن بهرام.
شكلت تلك المعركة انقلاباً مأساوياً في التاريخ الفارسي؛ فتعاقبت الأجيال وهي تكيد لاستعادة كرامة إمبراطورية سلبها العرب، ولإدارة معركة جديدة، بحيث تحيق الهزيمة بأعدائهم العرب ويمزقون كما مزقوا؛ ولكنهم لم يفلحوا طوال 1400 عام في إسقاط المجد العربي الإسلامي، على الرغم من كثرة المحاولات وتعدد وجوه المؤامرات التي بدأت من قتل عمر، ثم قتل عثمان، ثم قتل علي، تحت ذرائع التنظيمات السياسية التي تشكلت في إطار أيدلوجي؛ كالتشيع، أو الخوارج.
واليوم توافقت حالتا انتقام من العرب والمسلمين عند الغرب الأوروبي وعند الشرق الفارسي، وبينهما اليهود ، وهم أصحاب ثأر قديم؛ فتواطأ الثلاثي على الاشتراك في إدارة معركة واحدة؛ لكن ينفذ كل جانب ما يخصه، ويحظى من الغنيمة ما يطمح إليه ويشبع رغباته في الثأر والانتقام.
لم تستطع الحروب الصليبية إفناء الأمة، ولا الاستعمار الحديث الذي اكتسح الوطن العربي كله بعد الحرب العالمية الأولى؛ ولم يجد الفرس لهم وسيلة لتحقيق مآربهم إلا بالتواطؤ مع الغربي على ألا يقوم للعربي قائمة، وهو ما يتم الآن تنفيذه على مراحل من خلال تطورات متلاحقة متعاقبة إلى أن وصلنا إلى مأساة «الفوضى الخلاقة».
وبإطلاق شرارة هذه الفوضى وتطاحن الطوائف والأقليات في الوطن العربي استطاعت إيران الفارسية التي تعتمر العمامة الشيعية الكاذبة لخداع السذج والمغفلين والموالي من العرب وغيرهم أن تتمدد بالحماية الأمريكية، واشتغل الحليفان الأمريكي والفارسي على تنفيذ خطة تطهير طائفي وعرقي شاملة للعرب السنة في العراق وسوريا بدءاً، ثم تمتد إلى بلدان أخرى، فتمت إبادات كاملة لمدن سنية عراقية بحيث لم تعد موجودة كمدينة تكريت - مثلاً - بحجة مكافحة الإرهاب ومطاردة تنظيم «داعش»، وتم حصار وتجويع عشرات المناطق منذ عام 2013م كالحصار الخانق الآن على مدينة «الفلوجة» وعلى مناطق الأنبار والرمادي وغيرها عن طريق القوات الأمنية العراقية، مدعومة بما يسمى الحشد الشعبي الذي يمنع دخول الأغذية والأدوية وغيرها بحيث أكل السكان الحشائش وأوراق الشجر والحيوانات النافقة، وسجلت حالات وفاة أسبوعية بمعدل 13 حالة، ويمارس تنظيم «داعش» من جهته حصاراً أيضاً على السكان المدنيين فيمنع الخروج من المدينة وكأنهما يتبادلان الأدوار في تنفيذ مهمة واحدة؛ وهي قتل أكبر عدد من السنة، وهو ما يتم كذلك في سوريا؛ حيث شهد حي الوعر بحمص ومعظمية الشام غرب دمشق وداريا ومضايا والزبداني وفوعا وكفريا والغوطة الشرقية ومخيم اليرموك حصاراً مريراً امتد في بعضها إلى ثلاث سنوات؛ ويشارك فيه جيش النظام وحزب الله وتنظيم «داعش»!
إن الغاية التي يرمي إليها القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة أو بالصواريخ أو بالسوخوي الروسية هي قتل أكبر عدد من سكان المدن السنية أو دفعهم إلى الهجرة أو الموت جوعاً؛ سعياً إلى تغيير «ديموغرافي» يتم من خلاله إحلال وإبدال عرقي وطائفي.
ولعل في قصة ابنة الفلوجة التي انتحرت يوم الخميس قبل الماضي 17 مارس مع طفليها البالغين أربع وست سنوات بسبب الجوع، بعد أن ربطت طفليها بخصرها ثم ألقت بنفسها مع طفليها في نهر الفرات عبرة وعظة تصور وحشية المخطط الفارسي - الأمريكي الذي يستهدف العرب السنة في العراق والشام.