د. محمد عبدالله العوين
ينحدر «إبراهيم الجعفري» من عائلة شيعية أفغانية أو باكستانية قدمت إلى كربلاء واتخذت لها اسما آخر غير اسمها الأصلي الذي عرفت به في موطنها الأصلي؛ كي تندمج في موضع الهجرة الجديد، وهو «الأشيقر» مبالغة في التمويه، مع أن العوائل الأصيلة لا ترى ما يعيب في الانتساب إلى منبتها الأصلي، ثم تطور الأمر فادعت العائلة الانتساب إلى آل البيت رضوان الله عليهم؛ فأضافت «الجعفري» لتكتسب شيئا من القداسة في المجتمع العراقي، ولئن حام كثير من الشك حول الجعفرية المدعاة؛ فإن الشك يحوم بصورة أكبر حول ادعاء «الأشيقر» وهو الاسم الذي انتحلته العائلة بعد قدومها إلى كربلاء وعرفت به قبل أن تدعي الانتساب إلى «الجعفري» فهل يعني الاسم صفة الشقرة أم يعني ادعاء الانتساب أيضا إلى قرية من قرى نجد وهو ما يسعى إلى ترويجه بكل قوة ؟!
وظاهرة انتحال الانتساب إلى العوائل أو الأماكن أو المذاهب اليوم في المجتمع العراقي ليست غريبة؛ فقد كان لرواة الكوفة قديما السبق في ترسيخ مفهوم «الانتحال» في الشعر وفي القصص التي تلفق لاستجلاب مصداقية للشعر المنحول، بمعنى أن الشعر ينتحل على الحادثة، أو أن الحادثة نفسها ينتحل عليها شعر يصفها؛ رغبة في التكسب بالرواية حين اشتهر سوقها عند الخلفاء الأمويين على الأخص ثم العباسيين؛ كحماد الرواية وحماد عجرد وخلف الأحمر ومحمد بن السائب الكلبي وغيرهم.
وإذا كان انتحال الشعر بتلك السهولة التي تحدث عنها وأكدها الدكتور طه حسين في كتابه الشهير «في الشعر الجاهلي» ولم تجد من الممانعة النقدية - في عصرها - ما يقف دون استفحالها؛ فإن انتحال الأسماء أو الأمكنة أو المذاهب أكثر يسرا وأقرب إلى التصديق بعد الانتقال وتغيير المواضع الأصلية والهجرة إلى مواضع جديدة.
ولكي نكشف سيرة هذا الجعفري؛ فإننا مضطرون إلى أن نلقبه بما ليس له فندعوه بـ«الجعفري» وليس معنى هذا أننا نصدقه بما ادعاه من انتساب إلى مقام كريم ينتهي به إلى الإمام جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم جميعا - المولود بالمدينة 80 هـ والمتوفى بها 148هـ ولكن لأننا نريد الذهاب معه وفق هذا الادعاء إلى حيث ينافي الانتساب إلى آل البيت رضوان الله عليهم ما يقترفه هذا الصفوي المقيت من إراقة دماء العراقيين وتشتيت عوائلهم وهدم مساجدهم والقضاء على القبائل العربية الأصيلة وتهجيرهم وإثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة؛ للاتكاء على أسباب تمكنه من الفتك بالسنة العرب في العراق.
تأثر الجعفري بكتب محمد باقر الصدر وانخرط في صفوف حزب الدعوة المؤسس وفق الرؤية الإثني عشرية الفارسية عام 1966م وانتخب 1980م عضوا في قيادة الحزب، ولكنه هرب إلى إيران في العام نفسه بعد نجاح ثورة الخميني في الوصول إلى السلطة وبعد اشتداد حملة صدام حسين على الأحزاب والخلايا الشيعية الفارسية على إثر اندلاع الحرب بين إيران والعراق.
ومكث الجعفري في إيران عشر سنوات يستقي فيها من نبع المد الفارسي الشوفيني الكاره للعرب وللمسلمين ويتربى في أحضان العناصر الأمنية التي تهيئه وأمثاله لقيادة مرحلة قادمة تخطط لها إيران تصديرا لما أسمته بـ«الثورة» وبسطا للهيمنة الفارسية على دول الجوار وطموحا جانحا لاستعادة الإمبراطورية الفارسية بدعم من بعض الدول الغربية التي لا ترى في الإمبراطورية الفارسية خطرا عليها مثلما تعتقده في نهوض عربي وإسلامي منتظر.
ثم انتقل الجعفري إلى لندن عام 1990م في رحلة الوصول إلى الدور المهيأ له، وهناك اشتغل بتوافق استخباراتي إنجليزي وإيراني على تشكيل جبهات المعارضة لنظام صدام، ومكث هناك إلى أن احتلت أمريكا العراق وسقط نظام صدام فعاد 2003م إلى بغداد.
ولا نريد أن نمعن في تتبع تفاصيل نقاط عبور وصوله إلى السلطة برؤية أمريكية فارسية مشتركة؛ ولكنه كان مجهزا لاستلام مهامه التي يراد منه خلالها أن يؤديها كما خطط لها بتصفية الوجود العربي السني واستكمال تسليم العراق كاملا إلى إيران بعد انتهاء مهام بريمر المندوب الأمريكي في العراق؛ فكان أول رئيس لمجلس الحكم 2003، ثم نائبا لرئيس الجمهورية 2004، ثم رئيسا للوزراء 2005م .
وخلال فترة توليه رئاسة الوزراء طبق المسودة المتفق عليها مع إيران والجهات الدولية الأخرى والموساد الإسرائيلي، وتتلخص في «إنهاء الوجود العربي السني في العراق، وتكوين الجماعات الطائفية لإبادة العرب السنة وتهجيرهم».
لقد عاش العراق إبان فترة رئاسته مرحلة من أشد مراحل التاريخ بؤسا ودموية واضطهادا فاقت العهد الصفوي واليويهي؛ فقد خطط لإثارة الفتنة الطائفية بتفجير المرقدين العسكريين في سامراء، وبتفجير نهر الأئمة، وعلى إثر ذلك أطلق العنان لوزير داخليته بيان صولاغ خسروي ولفرق الموت ومن يسمون بالمغاوير ولفيلق القدس الإيراني ولمنظمة بدر الإرهابية ولجيش المهدي العنان في الفتك بالسنة وقتلهم على هوية الاسم؛ كعمر وفاروق وأبي بكر وعثمان ومعاوية ومروان ونحوها، وتمت تصفية مئات الآلاف واختفاء عشرات الآلاف في السجون، ويشهد ملجأ «الجادرية» على مآسي التعذيب البشعة التي لم تشهدها حتى معسكرات الاعتقال النازية؛ كثقب العظام بالدريل، والتذويب بالأسيد، واغتصاب الرجال والنساء ونحو ذلك مما يندى له جبين الإنسانية. لقد تركز جهد هذا الصفوي المدعو بالجعفري على استهداف خيرة المميزين في العراق من علماء ومثقفين وأطباء ومهندسين ونحوهم؛ ليخلو العراق لإيران وأذنابها ممن لا عزة ولا كرامة لديهم ولا انتماء حقيقيا للعروبة وللإسلام.
هذا الصفوي المعروفة عائلته بـ«الحملدار» في منصب وزير الخارجية في حكومة العراق العميلة يمتنع عن وسم ميلشيات الحشد الشعبي وحزب الله بالإرهاب؛ فلا عجب من موقفه هذا؛ فهو يمارس معهم مهمة تمكين إيران بالإرهاب نفسه الذي ينهض به الحشد ويعمل من أجله حزب الله منذ إنشائه بعد الثورة الخمينية.