د. محمد عبدالله العوين
ليس ما نشهده الآن من تمزيق للأمة العربية والإسلامية في كل مكان، بدءاً من أفغانستان وانتهاء بنيجيريا ومالي، ومروراً بالمنطقة العربية كلها تقريباً إلا نتائج لعمل أمريكي طويل بدأ مبكراً بعد انتصار الأمة العربية على إسرائيل في حرب رمضان 1993هـ أكتوبر 1973م فبعد تلاحم الأمة، وبخاصة المملكة ومصر، واستخدام المملكة سلاح البترول وشبه توقف الحياة الصناعية وكثير من مظاهر الحياة اليومية في الغرب، وتحقيق العرب انتصاراً عظيماً رفع الرؤوس عالياً وجدد الثقة في النفوس، فتوقدت المشاعر الإسلامية والقومية، على الرغم من خيانة حافظ أسد وتسليم الجولان لإسرائيل، إلا أن دوائر صناعة القرار في البيت الأبيض كان لديها من المخاوف والقلق والتوتر على نقيض المشاعر العربية، فرأى السياسيون والمفكرون الصهاينة أن «إسرائيل» في خطر، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكية - آنذاك - هنري كسينجر وغيره من المعنيين بالدراسات الاستشراقية، فكان لا بد من تغيير خطط دعم إسرائيل، بحيث لا يقتصر العون على إمدادها بالمال والسلاح والموقف السياسي الداعم في المحافل الدولية فحسب، بل التفكير الجاد في إفشال أية محاولة قادمة لاجتماع الأمة العربية والإسلامية على كلمة واحدة، والسعي الجاد إلى إضعافها اقتصادياً واجتماعياً، بتفكيك منظومتها السياسية وإشاعة القلاقل والاحتراب الداخلي بين مكوناتها الدينية والطائفية والعرقية والإقليمية، فلم يعد التمزيق الأول الذي قامت به الدول الغربية في أثناء الحرب العالمية الأولى الذي نتج عن اتفاقية سايكس - بيكو 1916م كافياً، فبعد مرور عقود زمنية قليلة عليه عادت الأمة تستجمع قوتها من جديد، فثارت على الاستعمار الإنجليزي والفرنسي والإيطالي والهولندي في العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصومال، وبدأت تتكون من جديد دعوات قومية ودينية لاستعادة وحدة الأمة العربية والإسلامية، وبرز على النطاق القومي جمال عبد الناصر وعلى النطاق الإسلامي الملك فيصل بن عبد العزيز، ووجد المشروعان حروباً بطرق خفية ومكشوفة، فقد أقدم الغرب على العدوان على بور سعيد عام 1956م بما عُرف بالعدوان الثلاثي بعد تأميم قناة السويس، ثم بالعدوان الإسرائيلي المدعوم من الغرب على مصر عام 1967م، وتوجس الدول الغربية شيئاً من القلق والمخاوف من نشاط الملك فيصل - رحمه الله - في دعوته إلى التضامن الإسلامي ودعائه ربه أن يتيله الصلاة في المسجد الأقصى بعد تحريره من مغتصبيه اليهود.
إذاً لم تعد سايكس بيكو الأولى كافية ولا شافية لوأد الأمة التي يخشى أن تستيقظ يوماً ما لو أُتيح لها المجال، كما حدث في رمضان 1393هـ فقدم الباحثون والدارسون الصهاينة مدعومين باليمينيين المتطرفين أفكاراً ومشروعات للبيت الأبيض لتنفيذ خطة جديدة تكون بمثابة الموت الأخير للعرب وللإسلام، ويقوي تلك الأفكار ويرعى تنفيذها اللوبي الصهيوني المالي والإعلامي الذي يهيمن على معظم جوانب الاقتصاد والإعلام في أمريكا.
وضعت الخطة من مختصين في دراسة الأديان والطوائف والأقليات الشرقية في العالم العربي والإسلامي كبرنارد لويس ما بين انتصار 1973م و1980م أي خلال السنوات السبع الفاصلة بين حرب رمضان ونهاية القرن الرابع عشر الهجري.
ثمانية رؤساء أمريكيون تابعوا تنفيذ الخطة باهتمام شديد، وكأن مستقبل أمريكا يتوقف عليها، ولكن الحق يكمن في اللاعبين اليهود خلف الكواليس في مركز القرار الأمريكي الذين يرون أن مستقبل إسرائيل واليهود في العالم يتوقف على نجاحها بالفعل.
واختصاراً لتطورات تنفيذ خطة الشرق الأوسط الجديد، وبعيداً عن التفاصيل والتوسع في بعض المراحل التي اتسمت بالهدوء أو الإسراع، سأشير بصورة عابرة إلى ما حققه كل رئيس من الرؤساء الثمانية خلال ثلاثة وعشرين عاماً، فقد بدأت الدراسات والأفكار الأولى في عهد ريتشارد نيكسون الذي انتهت ولايته 1974م وحقق خطوة التهيئة لتغيير نظام الحكم في إيران وقلبه من ليبرالي علماني على يد الشاه إلى طائفي كهنوتي على يد الخميني، لينهض بدور قادم في المنطقة، وواصل العمل جيرالد فورد الذي انتهت ولايته 1977م وتم ذلك بالفعل في عهد جيمي كارتر الذي انتهت ولايته 1981م وفي عهد رونالد ريجان الذي انتهت ولايته 1989م أوقد حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، للقضاء على العراق واكتساح الفرس المنطقة العربية كما كان يؤمل، ولكن العراق خيّب آمالهم آنذاك وصمد تسع سنوات، وفي عهد جورج بوش الأب الذي انتهت ولايته 1993م أوقد الحرب الخليجية الثانية بعد توريطه بغزو الكويت للقضاء على العراق بعد أن فشلت المحاولة الأولى، وفي عهد بيل كلنتون الذي انتهت ولايته 2001م تابع تفكيك قوة العراق ونزع أسلحته لتهيئته لغزو قادم ينهيه، وفي عهد بوش الابن الذي انتهت ولايته 2009 تم غزو العراق وتدميره وتسليمه إلى إيران، وفي عهد أوباما الذي ستنتهي ولايته 2016م خطط لما أسمته الإدارة الأمريكية بـ«الفوضى الخلاّقة» وأدار ثورات ما أسماه الإعلام الغربي «الربيع العربي» الذي اشتعل في خمس دول عربية وما زالت أربع منها تحترق بنيرانه.
هل أمريكا بعد كل هذه الحروب المعلنة والمخفية صديق أم عدو؟!