عروبة المنيف
الإرهاب لا جنس له، وتصنيفه إلى «إرهاب نسائي» و»إرهاب رجالي» لا منطق له، فما دام هناك بيئة حاضنة له ومهيئة كل السبل ليترعرع وينضج ويصبح جاهزاً للتفخيخ فلن يمنعه جنس ولا لون ولا عرق ولا منطق.
في أي إنجاز أمني يتم فيه إلقاء القبض على إرهابية، سواء كانت قاعدية أو داعشية، تلحظ الاستنكار الجمعي وتساؤلات متضمنة: كيف ولماذا ومتى وأين؟.. وكأن المرأة منزهة عن ممارسة الشرور ومن عجينة مختلفة عن البشر ومن كوكب آخر غير الأرض. فهي إن دعشت وقعدت تكون أخطر بكثير من الرجل؛ لأنها مربية أجيال، وراعية نشء، وعندما يتم تدجينها بالأفكار المتطرفة تقوم بنقلها إلى صغارها؛ فترضعهم التطرف، وتغذيهم التكفير، وتسقيهم الجهاد.
لقد صرح بذلك أيضًا رئيس حملة السكينة التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية قائلاً: «فهي (يقصد المرأة) أكثر إصرارًا وعنادًا من الرجل، وإذا آمنت بالفكرة خدمتها بكل ما أوتيت من طاقة، إضافة إلى كونها قادرة على تربية أجيال يحملون الفكر الإرهابي».
إن المرأة في مجتمعنا أيضًا تعاني انسياقها التام للذكور؛ فهم أولياؤها، سواء كانوا آباء أو أزواجًا أو إخوانًا أو أبناءً. تلك الولاية جعلتها رهينة لهم، وتقع في الفخ بسهولة؛ فهي إما تسمع كلام وليها وتطيعه أو تتحمل تبعات رفضها كالطلاق والتشتت إذا كانت متزوجة أو التعسف إذا كانت تحت ولاية الأب أو الأخ أو الابن، ولا أعمم في ذلك.
من المثير للانتباه أن بعض النساء الإرهابيات، سواء الهاربات أو الموقوفات أو الهالكات، ينتمين إلى محيط أو أسر إرهابية، كأن يكون زوجها أو أخوها أو أبوها أو أحد أبنائها متورطين في أعمال إرهابية؛ فتُستغل المرأة أيما استغلال، وتُدار، وتُوجّه من قِبل المجتمع الذكوري المتسلط الذي تحتكم إليه وبقوة القانون؛ لتصبح أداة طيعة بأيديهم، يشكلونها كيفما يشاؤون. وبمسح بسيط لحياة هؤلاء الإرهابيات نجد أن النسبة الكبيرة منهن ينتمين فعلاً لتلك الأسر التي تحوي إرهابًا ذكوريًّا في الأساس. فالداعشية «بنان هلال» التي قُتلت على أيدي رجال الأمن في مداهمة أخيرة هي زوجة إرهابي هجرها ليلتحق بالتنظيمات الإرهابية، وهي أيضًا عشيقة إرهابي يدعى «سويلم الرويلي» الذي تم توقيفه في تلك المداهمة، وقد تم العثور على كتاب «المشايخ الجدد» في وكر الداعشية القتيلة وعشيقها، وذلك الكتاب هو للمؤلف «عبدالكريم الحميد» طليق الإرهابية القاعدية «هيلة القصير»، وهو الذي حرم جميع مظاهر الحياة العصرية، وقام بتزويجها من بعده لتلميذه الإرهابي أيضًا محمد الوكيل. و»هيلة القصير» كان قد حُكم عليها بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا بتهم عديدة. كذلك عبير الحربي المشاركة في نقل حزام ناسف للمشاركة في عملية إرهابية، أودت بحياة خمسة عشر رجلاً من رجال الأمن وآخرين، كانت قد استُغلت من قِبل زوجها فهد الحربي. أما ريما الجريش التي هربت مع أولادها الأربعة للمشاركة في القتال بسوريا، وكان قد سبقها ابنها الأكبر إلى هناك، فهي زوجة موقوف متهم بأعمال إرهابية، يدعى «محمد الهاملي». وكذلك «مي الطلق وأمينة الراشد» المقبوض عليهما بصحبة ستة أطفال في جازان، كانوا هاربين لمناطق الصراع أيضًا. فمي زوجة سجين، وأمينة زوجة إرهابي منتمٍ لصفوف داعش. وندى القحطاني الملقبة بـ»أخت جلبيب» انضمت لصفوف المقاتلين في سوريا مع أخيها «المجاهد» الذي سبقها إليهم. ووفاء الشهري القاعدية زوجة زعيم تنظيم القاعدة في اليمن سعيد الشهري. وغيرهن الكثير ممن غُرّر بهن، واستُدرجن من خلال أوليائهن إلى مستنقع الإرهاب.
لقد قامت حملة السكينة بإجراء دراسة لتحديد أسباب مشاركة المرأة في الجماعات المتطرفة فوجدت أن 53.26 % هي أسباب اجتماعية و32.40 % هي أسباب فكرية، و16.33 % هي أسباب عاطفية. والمحصلة أن ما يقارب الـ85 % من تلك الأسباب هي أسباب اجتماعية فكرية. إنها حصيلة محيط اجتماعي، تشرب من أفكار متطرفة، تحث على التكفير والجهاد؛ فأصبحت توجهات مجتمعية سائدة، يدور في فلكها مجتمع بكامله في حلقة مستمرة، لا تتوقف عن الدوران. إن كسر تلك الحلقة الآن وفي ظل الأزمات الحالية المتتالية أصبح لزامًا؛ ما يستدعي تغيير ذلك الفكر المأزوم من أجل تغيير المنظومة الاجتماعية التي تتغذي على ذلك الفكر، وتعتاش عليه. إن الانطلاقة المأمولة تستوجب مواكبة جميع مناحي الحياة التعليمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وما يتبع ذلك من تغييرات اجتماعية، تستدعي إلغاء نظام الولاية المفروض على المرأة، الذي يتحكم في مصيرها وقراراتها الشخصية، فتدخل في سراديب الإرهاب، ويتم استغلالها أيما استغلال.