عروبة المنيف
ما الذي يحدث؟ لقد تم اختراق البيوت وأصيبت الأسر بسهام داعش القاتلة، سهام مسمومة بالكراهية والحقد، إنه الفكر الداعشي المقيت الذي يزحف كجيش جرار مقتحماً العقول الفتية ليحيلها إلى نار مهلكة وقودها التكفير وخزنتها شيوخ الظلام والموت.
إن تلك الفتوى المهلكة التي أطلقتها «شياطين داعش» منذ عدة أشهر والتي دعت فيها من يرغب بالانضمام إلى»السعير الذي يصطلونه «بأن يبدأ «بقتل أقاربه» وبخاصة الأقارب العاملين في السلك العسكري من باب تطبيق شريعة «الولاء والبراء» قد بدأت تؤتي أكلها وبدأنا نحصد الآفات الاجتماعية التي تنخر في الهيكل الاجتماعي لتجعله فريسة للطامعين المتجبرين. هذا بدر الرشيدي «وكيل الرقيب» والذي قتل بدم بارد منذ أيام في مدينة بريدة على أيدي أبناء خالته وأبناء عمومته، ضحية جديدة تضاف إلى «ضحايا الأقارب» والتي بدأت سلسلتها منذ انطلاق تلك الفتوى «الداعشية الشيطانية» المشؤومة مستغلة عقولاً شابة كان قد بذر فيها بعضاً من البذور التكفيرية التي تمجد الموت وتبغض الحياة ولا ترى سوى تلك الصور التي رسمتها في مخيلتها وأعطتها طابع القدسية وكأن الخيال الإنساني قد تم حبكه في استديوهاتهم المظلمة وسيناريوهاتهم الغارقة لحد النخاع في الكره والحقد والضغينة والغل على الآخر.
لا تهم الشهادات المحمولة بأيدي أولئك الشباب ولا أسماؤهم المتمدنة ظاهرياً!، فوائل «قاتل بدر» وابن خالته هو طبيب يعمل في أحد المستشفيات الكبيرة بالرياض وكذلك شقيقه معتز «مساعد القاتل» هو مهندس ويعمل أيضاً في إحدى الشركات!، وهل هناك شهادات أرقى وأعلى قدراً في المجتمع من شهادة «طبيب ومهندس»؟!، لكن التمييز بين التعليم وبين الوعي والإدراك بات ملحاً، فالبيئة التعليمية ليست فقط لتخريج شهادات يحملها شباب، وإنما لتخريج شباب واعٍ يحملون شهادات، شباب يستطيع التمييز بين الحق والباطل، يدرك معنى الحياة وأهمية إعمارها، يدرك معنى المحبة والسلام، معنى البناء والقوة والاتحاد، معنى التكاتف والأمل، معاني جميلة لا تحصى غابت عن الشباب في غياهب الفتاوى المظلمة التي تفوح منها رائحة الموت والتي عايشناها ومازلنا نعايشها في زمن بات فيه للأسف قتل الأقارب «جهادٌ في سبيل الله»!، عن أي إله يتحدثون؟!.
لقد كنا مرتابين وخائفين على الأمن القومي من أولئك الشباب الضالين ومن فكرهم المدمر ولكن بتنا الآن نخاف على الأمن الاجتماعي والأسري، حيث الخلية الأساسية للمجتمع «الأسرة» وقد بدأت الأورام الخبيثة التكفيرية تتسلل إليها وهذا ما يرعب أي مجتمع على وجه الخليقة.
إن مواجهة تلك الأورام الخبيثة تستدعي العلاج المكثف القوي، فالأمر ليس سهلاً وسبل العلاج المتخذة من مناصحة وغيرها لم تعالج ذلك الداء بالطريقة الحاسمة، إنها مسكنات ومهدئات مؤقتة، ما يتوجب اتخاذ خطوات أكثر حزماً وقوة في زمن اعتدنا فيه على قيادة تتمتع بالحزم والشجاعة وذلك من أجل شبابنا، من أجل نشلهم من تلك الاستديوهات المظلمة وتلك السيناريوهات البغيضة التي رسمت لهم صورة قاتمة عن الحياة وجمالها وروعتها حتى يكرهوها ويكرهوا من عليها.
إن إنشاء وزارة للشباب يقودها شباب ذو فكر مستنير تعتبر خطوة رائدة لقيادتنا الشجاعة، وذلك لن يكلف الكثير, حيث يتم فيها تحويل «الرئاسة العامة لرعاية الشباب» إلى وزارة، فيعاد بناء هيكلها، وبالإضافة إلى مهامها السابقة تتبنى أيضاً قيم السلام والمحبة والتسامح والسعادة لتنشرها، مستقطبة الشباب المتنور والواعي ليكونوا من القائمين عليها، زارعة للقيم الجميلة من محبة وصدق ووفاء وأمانة وصلة رحم, لتملأ الشباب بالأمل وتزرع فيهم حب الحياة. إنّ استحداث برامج شبابية مواكبة للعصر وبعيدة عن التقليدية مخاطبة للعقول متبنية للحوار المفتوح هي المفتاح لتلك الوزارة واضعة أقفالاً في جميع المحاولات التي تستهدف تلويث عقول الشباب وتفخيخه بالأفكار التكفيرية الحاقدة على الآخر المختلف سواء عقائدياً أو مذهبياً أو جنسياً أو أو...
الشباب هم أعمدة هذا الوطن ولا تستقيم الأوطان بدون أعمدتها الشامخة، ولا تشمخ الأعمدة إذا ولغت فيها دودة الأرض وأكلتها، نريد أعمدة شامخة صامدة نقية تنشر الأمل والحب والسلام، هنا يأتي دورنا في بنائها بأفضل ما لدينا من قيم مجتمعية أصيلة ليبقى وطناً عزيزاً كريماً شامخاً.