عبدالعزيز السماري
تقف المملكة في الوقت الحالي على مفترق طرق في مسارها التنموي، فالاقتصاد الذي يعتمد على المصدر الواحد أثبت خطورته على الحاضر والمستقبل، ولابد من توجه جديد يُخرج الوطن من انتظار موجات ارتفاع أسعار النفط مرة أخرى، ويلوح في الأفق منذ فترة غير قصيرة إشارات في غاية الأهمية من القيادة العليا عن قرب إعلان برنامج التحول الوطني..
برنامج التحول الذي ينتظر منه الجميع الحلول من أجل الانتقال من مرحلة إلى أخرى، ويتطلب ذلك جهود جبارة من الجميع لإنجاح الخطة الوطنية المنتظرة، وتشخيص الداء الحالي قد لا يحتاج إلى خبير عالمي، فالمعضلة التي تتراكم مع مرور الوقت هي مشكلة تراكم الخبرات البشرية المتدربة على مستوى عال بدون استغلال لقدراتهم بسبب نجاح خطة التعليم العالي خلال العقد الماضي وعدم وجود فرص عمل لهم، وقد يواجه غالبيتهم صعوبة في الحصول على فرص عمل تواكب تطلعاتهم وتخصصاتهم الدقيقة إذا تأخرت الحلول البديلة للاقتصاد التقليدي.
وبكل وضوح يجب أن لا ننتظر من القطاع الخاص في واقعه الحالي أن يقوم بدور الحاضنة لهؤلاء الشباب المؤهلين، وذلك لأنه غير حقيقي، ويقوم على تقديم الخدمات خلف غطاء التستر التجاري وعقود الباطن مع الأجانب في الغالب، ونستثني من ذلك البنوك وشركات البتروكيماويات في الجبيل وينبع.
ومن أجل إيضاح أكثر للمشهد، نجحت برامج التدريب الطبي في مختلف التخصصات والمهن، وتحولت إلى مصدر ثري جداً للقدرات البشرية الممتازة في هذا القطاع، والسبب كان استثمار الدولة الناجح في التدريب الداخلي والخارجي خلال العقود الماضية، وأسهم في إنجاح نتائجه الاستمرار في إنشاء المستشفيات العملاقة في مختلف أنحاء المملكة، ولم تكتمل الصورة بعد، وستكون مبهرة للغاية، خلال عقد من الزمان إذا تم إصلاح العمل الإداري في المنشآت الطبية الكبرى، ولم نفرط في الخبرات الطبية السعودية، والتي قد تهاجر إلى فرص أفضل إما في الخليج أو أمريكا الشمالية.
ولهذا السبب تعاني كثير من الكوادر البشرية المتخصصة في مجالات التقنية والاتصالات والصناعة من غياب الفرص بسبب عدم وجود حاضنات عمل عملاقة لهم مثل المستشفيات للكوادر الطبية، تهيء لهم فرص العمل والإنتاج، فالمشاريع الكبرى على نمط شركات أرامكو وسابك توقفت، ويواجه كثير من المهندسين والفنيين من مختلف التخصصات أزمة عمل في ظل غياب المشاريع الصناعية الكبرى القادرة على استيعابهم وتطوير قدراتهم..
ومن أجل إيضاح أكثر تحتاج الدولة إلى أن تقود دفة الاستثمار في القطاعات الصناعية والتقنية والاتصالات مثلما فعلت في القطاع الصحي وتجارب الجبيل وينبع، وذلك من أجل خلق بيئة عمل حاضنة للكوادر البشرية المؤهلة من خلال برامج الابتعاث والدراسات العليا في الداخل، وسنواجه مصاعب ومتاعب إذا اعتقدنا أن القطاع الخاص في وضعه الحالي قادر على قيادة التنمية في برنامج التحول الوطني المنتظر.
أثار انتباهي أخيراً قرار أصدرته الولايات المتحدة الأمريكية، للطلبة الأجانب الذين يدرسون في جامعاتها والحاملين لتأشيرة «F1»، يسمح لهم بالعمل بعد تخرجهم لمدة تصل إلى 3 أعوام، وذلك ابتداءً من يوم 10 مايو المقبل، وأتاح التعديل الجديد في نظام العمل للطلبة الأجانب أو المبتعثين في تخصصات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، طلب التمديد لمدة 24 شهراً بدلاً من 17 شهراً، أي أن مجموع العمل المسموح به للطلبة في هذه التخصصات قدره 3 سنوات مع احتساب سنة التدريب العملي الاختياري.
وتعد الولايات المتحدة أكثر بلد في العالم يستهدف الخبرات البشرية المميزة، ومن خلال هذا القرار يتم إغراء المميزين من الطلبة الأجانب في الاستمرار في عملهم، وهكذا، ولعل السبب الأول لقبولهم الطلبة الأجانب فكرة الهجرة إلى الغرب هو عدم استغلال بلادهم لقدراتهم وعدم توفير بيئة العمل الناجحة لهم، وقد نواجه تسرب بعض الكوادر السعودية إذا لم نسبق الزمن في احتوائهم في مشاريع عملاقة.
في المستقبل القريب ستصل أعداد الخريجين في التخصصات الدقيقة والمهنية إلى أرقام عالية، وهؤلاء بلا جدال يعتبرون ثمرة نجاح وطني في مجال التدريب المتخصص، وإذا لم نستغل طاقتهم الجبارة سنخسر كثيراً في المستقبل، ولهذا السبب سيكون برنامج التحول الوطني أمام تحد كبير، وهو كيفية استغلال الطاقات الوطنية القادمة في تغيير النمط الاقتصادي التقليدي الحالي، والله المستعان.