عبدالعزيز السماري
احتفلت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بافتتاح حسابها الرسمي على «السناب شات»، وكان أول نشاطاتها في الحساب الجديد عن معرض الكتاب الدولي في الرياض، وعادة يصاحب أيام المعرض الثقافي صدامات بين رجال الهيئة وفعاليات معرض الكتاب المختلفة.
لكن الجديد هذا العام هو دخول الهيئة إلى عالم الحداثة في تقنية الإعلام الحديث، وبث أخبارها وإثارتها الدائمة من خلال السناب شات وغيرها، ويعد مشهد تدشين الهيئة لتقنية «السناب شات» جزءاً صغيراً من الصورة الكبرى، والتي تعبر عن العلاقة بين مجتمعنا المحافظ والتحديث في القرن الواحد والعشرين.
وهي علاقة أشبه بعلاقة الصديق اللدود الذي نحن إليه كلما ابتعدنا عنه قليلاًَ، فنحن بكل شفافية نتقدم خطوة إلى الأمام ونرجع عشر خطوات إلى الخلف في مسار التحديث الاجتماعي والمهني، فالولادة المتعسرة لمسار التطوير جعلت منه مخلوقاً مشوهاً، وأصبحنا نجيد السكون في مفترق الطرق بسبب حالة الارتباك التي نعاني منها عندما نتقدم خطوة إلى الأمام.
معرض الكتاب فكرة رسمية، وتشرف عليها وزارة الثقافة الإعلام، وتقدم لها مختلف التسهيلات لإنجاح الموسم الثقافي، وبالتالي تعزيز دوره في تطوير الإنسان واتساع مداركه، لكن في نفس الوقت يُطلق العنان في ميادينه لفكر في حالة خصومة شديدة من العقل والفكر والثقافة، ويستطيع أياً كان تشخيص هذه الحالة من خلال حوار قصير مع أحد رجال الهيئة عن موقفه من معرض الكتاب.
ففكرة التطوير والتثقيف تدخل في مؤامرة التغريب الكبرى، ونقل المجتمع من حال إلى حال، وهو ما يؤرق تلك العقول، ويجعل منها في حالة عداء شديد لأي حالة تغيير أو تطوير، بينما لا يدرك هؤلاء أن المجتمع والدولة والاقتصاد في حاجة ماسة للتغيير من أجل إثراء مصادر العيش وتجاوز حالة المصدر الوحيد والناضب.
إشكالية مشروع التطوير في المجتمع أنه لم يدخل من الباب الكبير للتنوير، ولكن دخل من باب خلفي، وظل مطارداً، ولايزال، من فكر ماضوي متسلط، يعشق الانغلاق ويتمتع بقوة النفوذ، والقدرة على تعطيل المشروع الضروري للحياة، وذلك أمر محير، ويستحق الدراسة ومحاولة الفهم لعلاقة أشبه بالفيلم الكارتوني الشهير «توم وجيري».
توجد حالة مشابهة لتلك الصورة المثيرة للاهتمام في عقولنا، فالعقل يعيش حالة صراع وتشتت بين الرغبة في التطوير، والانزواء في حلقات السكون والانغلاق، وفي نفس الوقت يعيش حالة من الإدمان لحالة المطاردة التي يعيش فيها منذ عقود طويلة، وتزيد تلك الحالة من توتر الصراع خارج العقل، سواء في الأسواق أو معرض الكتب.
فالرغبة في استمرار حالة المطاردة تدخل في المفهوم الشعبي الشهير «القطو يهوى خناقه»، أو كما عبر عنها محمد جابر الأنصاري فالعقلية العربية تسيطر عليها فكرة «قهر الآخر»، وهي التي صنعت وتعيد تصنيع صورة القاهر، لأنها تجد فيه شخصية البطل القوي المتسلط، مثل هذه العقلية الديكتاتورية للجماعة هي التي تغذي فكرة تسلط الفرد على الجماعة.
أكتب هذه الكلمات ونحن في حالة انتظار لمشروع التحوّل الوطني الكبير، والذي من المفترض أن يكون في تفاصيله خطط الانتقال من مرحلة إلى أخرى بدون المرور في حالة التردد والارتباك التي نعيش فيها منذ زمن بين مفترق الطرق، وسيواجه البرنامج التحدي الاجتماعي الكبير في مهمة تحويل الشخصية المتسلطه في عقولنا إلى شخصية عمليه وعقلانية منتجة.
لست على الإطلاق ضد وجود ضابط للآداب العامة والسلوكيات في الأسواق ومعارض الكتاب، لكنني بالتأكيد أختلف أن تقوم الهيئة في صورتها الحالية بدور الرقيب على مشروعات التطوير والتثقيف، والسبب أن فكرة الهيئة في جذورها وفعالياتها الحديثة تسيطر عليها فكرة مقاومة التطوير والعقلانية، وهو ما يجعل الأمر في منتهى الضبابية، وربما مهيئاً لمزيد من حلقات الصراع والتوتر في المجتمع.
باختصار، سيكون تحدي برنامج التحوّل الوطني الأكبر في مهمة تطوير الوضع الحالي، والذي تقوم فيه الهيئة بدور الوصي والمرشد على مختلف برامج التطوير الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، ولهذا لابد من وضع بند خاص في البرنامج الوطني لتهيئتهم نفسياً وثقافياً للانضمام للبرنامج، وليس لمطاردته، كما هو الحال في مشروعات التطوير الحالية.. والله المستعان.