د. محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح
تلقيتُ هدية من أخي الشيخ الفقيه الوقور أحمد بن عبد العزيز الجماز، وكانت الهدية من أحب الهدايا إليَّ، وأغلاها عليَّ، إِذْ هي (حاشية العنقري على الروض المربع شرح زاد المستقنع).
وسيكون الحديث من جهتين من جهة الحاشية نفسها، والأخرى عن مؤلفها الشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله -.
فالحاشية قد طبعتْ قديماً في ثلاثة أجزاء عام 1375هـ بعد وفاة الشيخ العنقري بمطبعة السنة المحمدية بمصر، والشيخ - رحمه الله - قد فرغ منها عام 1367هـ، قال الشيخ أحمد الجماز - سدده الله - عن تلك الطبعة: (في عِداد نوادر الكتب بين طلبة العلم، لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الاستعارة أو التصوير.. إضافة لرداءة الطباعة قديماً.. مما تسبب في حصول نقص كثير بها، وسقط وتصحيف، وتقديم وتأخير، وتداخل بعض التعليقات في بعض) وصدق غفر الله له، ولذلك قلّت الاستفادة مع نفاستها، فلم يطِب خاطر الشيخ أحمد أن تبقى على تلك الحال، فجرّد فيها العناية، وأظهر الكفاية، فتم تحقيقها على نسختين خطيتين مقارنة بالمطبوع، فكانت النتيجة خروج الحاشية بحلة من أحسن الحلل، وطباعة من أجمل ما يكون، ووقعتْ في ستة مجلدات.
والأهم من ذلك كله: أن الزيادة الموجودة في المخطوط على المطبوع يبلغ تقريباً ثلث الكتاب! وقد أثبت ذلك الشيخ الجماز في تحقيقه جزاه الله خيراً.
وقد تمنيتُ أن محققنا القدير الشيخ أحمد - غفر الله - له ذكر موارد الكتاب الكثيرة جداً؛ ليطلع القارئ على الجهد الذي بذله الشيخ عبد الله - رحمه الله - في وضعه للحاشية وجمعه لها مع أنه كان كفيف البصر.
ولاشك في نسبة هذه الحاشية للشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله - وأذكر أني لما اقتنيتُ الكتاب النافع المفيد (المدخل المفصل) للشيخ بكر أبو زيد - رحمه الله - مرَّ علي نسبة حاشية العنقري لتلميذه (الشيخ محمد بن عبد المحسن الخيال رحمه الله) كما في المدخل (2 / 773)، فتعجبتُ من ذلك، فكتبتُ بجوارها محل نظر، عازماً على كتابة تعليق يثبتُ أن الحاشية من تأليف الشيخ عبد الله - رحمه الله -، وكنت قد قابلتُ بعضاً من صحب الشيخ العنقري، وكان لصيقاً به، فسألته عن إمكانية نسبة الحاشية لأحد تلاميذه، فكان الجزم بأن الحاشية للشيخ، ولما رأيتُ ما كتبه أخي الشيخ أحمد الجماز - وفقه الله - في إثبات نسبتها حضرني المثل المشهور (لا عطر بعد عروس)، ومن أوضح الدلائل على أن الحاشية للشيخ عبد الله ما يلي:
1 - جاء في آخر الحاشية ما نصه: (أملى ذلك الفقير إلى عفو ربه القدير، جامع هذه الحاشية، عبد الله بن عبد العزيز العنقري وفقه الله تعالى.
قد وقع الفراغ من تبييض هذه الحاشية... ضحوة يوم الخميس الموافق أول يوم من جمادى الأولى من شهور سنة 1367هـ بقلم الفقير إلى الله سبحانه وتعالى، راجي عفو ربه، عبد الله بن إبراهيم الصالح الصانع). ومن اللطائف أن ورد في الحاشية (3 / 232 تحقيق الجماز) ما نصه (تقرير شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري حرسه الله تعالى)، وفي (5 / 26) نحوه.
ومن المعلوم أن الشيخ عبد الله - رحمه الله - لم يكتب شيئاً بيده؛ لفقده بصره عوضه الله الفردوس، وقد كتبها تبييضاً في حياة الشيخ عدد من تلاميذه منهم: الشيخ محمد الخيال، والشيخ حمود التويجري، والشيخ عبد الله الصانع - رحمهم الله -.
فكيف تنسب الحاشية لأحدهم دون الآخر؟ ومن العجيب أن النسخة المطبوعة القديمة التي تنسب للشيخ الخيال - رحمه الله - هي مطبوعة عن نسخة الشيخ الصانع - رحمه الله - كما في آخرها (3 / 454).
2 - أنه ورد في الحاشية (الطبعة الأولى 1 / 317، وفي تحقيق الجماز (2 / 113) ما نصه: (قلت: وقد ذكر شيخنا الشيخ حسن بن حسين بن علي...)، ومن المشهور أن الشيخ حسن (ت / 1341هـ) من مشايخ الشيخ العنقري لا من مشايخ الشيخ الخيال - رحمهم الله -.
وجاء كذلك في الحاشية (تحقيق الجماز 3 / 240) : (قال شيخنا علي..) والمقصود به الشيخ الفقيه علي بن عبد الله بن عيسى قاضي الوشم في زمانه (ت / 1331هـ) شيخ الشيخ عبد الله العنقري - رحمهما الله -.
3 - أن العلماء الذين ترجموا للشيخ العنقري - رحمه الله - أو ذكروه، نصوا أن من آثاره العلمية: حاشيته على الروض، بل لا أعلم أحداً جعلها لغيره إلا ما ورد في المدخل المفصل للشيخ العلامة بكر غفر الله له إفادة من غيره، فمثلاً الشيخ محمد بن مانع - رحمه الله - (ت / 1385هـ) ذَكَرَ في مقاله المنشور في جريدة الندوة في عددها (1390) في 7 - 2 - 1373هـ بعنوان (وفاة عالم) أن من مؤلفات الشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله - الفقهية: حاشيته على الروض المربع.
والشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - (ت / 1389هـ) أحال إلى حاشيته، كما في الفتاوى (9 / 72) حيث ورد ما نصه: (وقد جاء في «حاشية الشيخ عبد الله العنقري ص 84 في الجزء الثاني») وجاء في (12 / 218): (وهذا الكلام والبيان مذكوران في حاشية الشيخ العنقري).
وكذلك الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم - رحمه الله - (ت / 1393) نص أن الحاشية من تأليف شيخه العنقري، حيث قال في حاشيته على الروض (1 / 9): (فإن زاد المستقنع وشرحه وقد رغب فيهما طلاب العلم غاية الرغب، واجتهدوا في الأخذ بهما أشد اجتهاد وطلب... خدمهما علماء العصر كالشيخ عبد الله أبا بطين، والشيخ عبد الله العنقري، عبد الوهاب بن فيروز بالحواشي مفردة..)، وكذلك الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله - في علماء نجد (4 / 272) نص على أن من آثاره التي خلّفها حاشيته على الروض المربع.
4 - أن طريقة الشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله - في الحاشية أنه يذكر أقوال العلماء في المسائل الفقهية المشهورة، قال الشيخ محمد بن مانع - رحمه الله - في مقاله عن الشيخ واصفاً طريقته في الحاشية: (يذكر المسألة من الروض، وينقل ما كتبه العلماء من غير استدلال ولا تعليل، طلباً للاختصار، كما فعله شمس الدين بن مفلح في الفروع وغيره)، وقال الشيخ عبد الله البسام في علماء نجد (4 / 272): (جمعها من كلام العلماء وبعض تقاريره)، وحتى في أجوبته عن بعض الأسئلة سلك الطريقة نفسها، فمثلا جاء في الدرر السنية (7 / 77) ما نصه: (وسئل... عن فرش المسجد، هل يجوز أخذ شيء منه أو يبقى في موضعه؟ أو يصرف في مصلحة أخرى للمسجد أو لغيره؟
أجاب الشيخ عبد الله العنقري: أنقل كلام العلماء وأشير إلى ما هو الراجح عندنا: قال في المقنع وشرحه الإنصاف للمحقق المرداوي، - رحمه الله -: وما فضل من حصره وزيته، جاز صرفه إلى مسجد آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين؛ هذا هو المذهب نص عليه، وجزم به في الهداية، والمذهب، ومسبوك الذهب، والمستوعب، والخلاصة، والوجيز وغيرهم، وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه: يجوز صرفه في مثله دون الصدقة به، واختاره الشيخ تقي الدين. وقال أيضاً: يجوز صرفه في سائر المصالح وبناء المساكن، لمستحق ريعه القائم بمصلحته. انتهى. قلت: ما ذكره شيخ الإسلام هو الصواب، لأنه أسعد بالدليل من غيره).
وكذلك في مسألة انقطاع الوقف ونقله (ينظر: مجموع رسائل وفتاوى الشيخ العنقري، إعداد / الشيخ ناصر السلامة ص324).
فهل يمكن نسبة ما ورد من بعض فتاوى الشيخ التي تماثل منهجه في الحاشية لغيره؟ لكون الشيخ لم يكتبها بيده! هذا مما لا يمكن قوله.
5 - أن الشيخ عبد الله - رحمه الله - لما انتهى من الحاشية سعى لطباعتها، فتولى طباعتها الأمير منصور بن عبد العزيز - رحمه الله - وقد طبعت بعد وفاة الشيخ - رحمه الله - وكان مكتوباً عليها أنها من تأليفه، فلو لم تكن له لم يكن ليقر كتابة اسمه عليها، ولا يسعى لطلب طباعتها.
ومن نظر في الحاشية عَرَفَ فقه واضعها، وتمكّن مؤلفها، وقد أثنى عليها العلماء، ورجعوا إليها، فوصفها بالمفيدة ابن مانع - رحمه الله - في مقاله وفاة عالم، وكان الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - يحضِّر منها لدروسه ويقول: (إن العنقري طالت مدته في القضاء؛ لذلك فحاشيته عن علم وفهم وممارسة)، وقال الشيخ عبد الله الصانع - رحمه الله -: (هذه الحاشية المفيدة، والدرة الفريدة)، وقال الشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبد المحسن في تأريخه تذكرة أولي النهى والعرفان (5 / 78) في معرض ثنائه على حاشية الشيخ: (جوهرة الزمان أتى فيها بالعجب العجاب).
قال عمر عبد الجبار في كتابه سير وتراجم بعض علمائنا ص186: (لا يضمك مجلس فيه علماء نجد وطلاب العلم إلا وتسمع منهم الحديث عن العلامة الشيخ عبد الله العنقري، وغزارة علمه، وورعه، وتواضعه، وحلمه، وصبره، وغير ذلك من كريم أخلاقه).
وقد أشرتُ في بداية المقال إلى أني سأذكر حديثاً عن مؤلف الحاشية فأقول: هو الشيخ الإمام العلامة الفقيه الفرضي عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري التميمي، ولد ببلدة أخواله (أُثيثية) في 23 - 7 - 1290هـ، ونشأ يتيماً، وكُفَّ بصره وهو في السابعة من عمره، قامتْ على تعليمه عمة له - رحمها الله - فحفظ القرآن، والمتون العلمية، سافر إلى الرياض طلباً للعلم عام 1311هـ، وأخذ عن علمائها منهم: الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف، الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، والشيخ حسن بن حسين، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ سعد بن عتيق وأجازه بجميع مروياته، والشيخ حمد بن فارس وغيرهم، قال الشيخ البسام - رحمه الله -: (مكث على هذه الحال أحد عشر عاماً، وكان مجداً مجتهداً في دروسه وتعلمه، كما أنه موضع العناية من مشايخه لما توسموا فيه من الذكاء، وما رأوا فيه من الإقبال) (علماء نجد 4 / 267).
قال الشيخ العلامة سعد بن عتيق - رحمه الله - في مطلع إجازته للشيخ عبد الله ما نصه: (قد حضر عندي الشيخ النجيب، والعالم الفاضل اللبيب: عبد الله بن عبد العزيز العنقري في سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف، فالتمس مني الإجازة بما رويته وأخذته وسمعته من مشايخي من أهل الحديث... فلما سألني أخونا الشيخ المذكور... أجبته إلى مطلوبه، وأسعفته بمرغوبه، وان كنتُ لستُ أهلاً لذلك، ولا من فحول ما هنالك... فلذلك أقول:
وقد أجزت مع التقصير عن دركي
لرتبة الفضل أهل الإجازات
وأسأل الله توفيقاً ومغفرة
ورحمة منه في يوم المجازاة
وقال عنه الشيخ محمد ابن مانع - رحمه الله - في مقاله وفاة عالم: ( العلامة المحدث الفقيه النحوي... أخذ العلم عن جماعة... منهم العلامة المحدث الشيخ إسحاق ابن الشيخ عبد الرحمن بن حسن... وكان الشيخ إسحاق يسميه صاحب العمدتين يعني عمدة الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي، وعمدة الفقه للإمام موفق الدين ابن قدامة).
وقد رأى الشيخ العنقري - رحمه الله - في منامه في أول حياته أنه يمشي في طريق يسمى الحسينية في بلدته ثرمداء فقابله رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - ومعه قدح مملوءة حليباً فناوله إياه، وقال له: اشرب، فشرب نصفه، فقال له: اشرب، فشرب الباقي. قال ابن بسام في علماء نجد: (وقد أوّل هذه الرؤيا بالعلم الذي تعلمه وتضلع منه)، وذكر أنه رأى في المنام الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - وقرأ عليه شيئاً من الفقه والحديث، وكذلك رأى الإمام ابن تيمية - رحمه الله -. في عام 1321هـ تولى إمامة مسجد ثرمداء، ومهام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولّاه الملك عبد العزيز - رحمه الله - قضاء منطقة سدير عام 1324هـ وكان يتنقل بين بلدانها الكبار، ثم استقر في المجمعة عام 1326هـ ودخل تحت ولايته القضائية الزلفي والأرطاوية وما جاورهما من قرى، وقد حدثني بعض كبار السن أنهم رأوا الشيخ العنقري - رحمه الله - أكثر من مرة يقف عند بابه يقضي بين المتخاصمين، فتنتهي المنازعة بقضاء الشيخ، (وكان يؤثر الإصلاح بين الخصمين سيما إذا لم يظهر الصواب، حتى انه ربما أخّر الفصل في القضية أيَّاماً حتى يميل الخصمان إلى الصلح، [قال الشيخ سليمان بن حمدان رحمه الله]: وقد لاحظت ذلك منه مراراً، وكنتُ أقول في نفسي هذا أمر لا ينبغي؛ لأن فيه تعطيلاً للمشاكل بدون حل، حتى وقفتُ على قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (دعوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإنَّ فصل القضاء يُحدث بين القوم الضغائن، وأخِّروهم لعلهم أن يصطلحوا)... فرجعتُ عن قولي وعلمت أن الشيخ على الحق) علماء نجد (4 / 277).
كان الشيخ عبد الله العنقري - رحمه الله - قد ملئ علماً وعقلاً وحلماً، ولذلك اختاره الملك عبد العزيز - رحمه الله - في فتنة الإخوان في ذلك الزمان قال الشيخ عبد الله البسام - رحمه الله -: (بعث هذا العالم الكبير العاقل الفاهم لأمور الدين والدنيا ليقوم بالوساطة الرشيدة بين الطرفين... وقام بأمور هامة كثيرة جداً في مجال السلم والحرب والصلح العام. وإسناد هذه الأمور المهمَّة إليه تدل على ما له من كمال الثقة من الملك عبد العزيز - رحمه الله -...[وقد] طلبه الملك عبد العزيز بعد وفاة الشيخ سعد بن عتيق - رحمه الله - أن يكون مرجعاً في بلد الرياض، وألح عليه فاعتذر، فقبل عذره) علماء نجد (4 / 269 و278).
ظل في القضاء ستة وثلاثين سنة، طلب منه العلامة محمد بن إبراهيم - رحمه الله - أن يجيزه فأجازه وقد أثنى الشيخُ العنقري عليه في الإجازة ثناء عاطراً.
كان الشيخ عبد الله له المكانة الكبرى بين علماء زمانه قال الشيخ ابن عبيد في تأريخه (5 / 78): (كانت النصائح والرسائل الموجهة إلى الأمة باسم العلماء من أئمة هذه الدعوة الإسلامية من علمائها المتأخرين مفتتحة باسمه في جملة أسمائهم إِذْ يعتبر أنه من أعظم أئمة هذه الدعوة).
وكان له فضل على طلاب العلم إِذْ سعى - رحمه الله - في جمع أجزاء المغني لابن قدامة من داخل المملكة وخارجها إِذْ كانت أجزاؤه مفرَّقة لا توجد منه نسخة كاملة بأجزائها، فجمعها وأمر نخبة من طلاب العلم من أصحاب الخطوط الجميلة بنسخها، فلما نسخوا نسخة كاملة بعثها بها إلى الملك عبد العزيز - رحمه الله - لتطبع، فأمر الملك بطباعتها.
كانت له مكتبة حافلة بالكتب النادرة، ونفائس المخطوطات، وله تعليقات على نونية ابن القيم، وتلخيصاً للفواكه العديدة كتاب ابن منقور - رحمه الله - وكان قد عزم على وضع تأريخ يجعله ذيلاً على تأريخ ابن بشر - رحمه الله - بإشارة من الملك عبد العزيز - رحمه الله - لكن توفي قبل ذلك أن ينجز فيه شيئاً - رحمه الله - وذُكِر أنه قام بإملاء بعض مواده على تلميذه عبد الرحمن الناصر صاحب تأريخ عنوان السعد والمجد، قال ابن عبيد في التذكرة (5 / 79و89): (وكان يعتزم إصدار تأريخ لنجد في الفترة الوسطى والأخيرة، وبينما هو يجمع المراجع ويسجل الخطوط الأولى إِذْ وافاه أجله المحتوم على إثر مرض استمر قريباً من أربعة أشهر).
وللشيخ العنقري - رحمه الله - رسائل كثيرة مبثوثة أكثرها فيما جمعه العلامة عبد الرحمن ابن قاسم في الدرر، وقد أهدى إليَّ الشيخ ناصر السلامة - جزاه الله خيراً - مجموع ورسائل وفتاوى الشيخ عبد الله العنقري، وقد ضمَّنه رسائل للشيخ لم تنشر من قبل.
وكان الشيخ العلامة عبد الله بن حميد يُشبَّه بالشيخ العلامة عبد الله العنقري - رحمهما الله -.
قال الشيخ إبراهيم بن عبيد - رحمه الله - عن الشيخ العنقري: (رأيته يطوف بالبيت الحرام في آخر حجة حجها قدس الله روحه، وقد بلغ من الكبر عتياً وأرهقته الشيخوخة. فرأيت فاضلاً زكياً، يعلوه الوقار، وقد نحل جسمه، وضعفت بنيته، ومع ذلك فإنه يؤدي العبادة كشاب قوي، قد ابيض شعر لحيته وما كان يصبغ بالحناء ولا بغيره. كان طويل القامة فيه احدداب، وعليه هيبة العلماء، وسيماء الأتقياء) تذكرة أولي النهى والعرفان (5 / 78).
اشتكى الشيخ - رحمه الله - من مرض كان في بطنه وعندما سافر للرياض في الصيف اشتد عليه المرض فأشار عليه الملك عبد العزيز بالسفر إلى لبنان للعلاج، فأجاب: بأنه سيعود إلى المجمعة إن كان كتب الله لي عافية وإلا يتوفاني عند أبنائي. رجع إلى المجمعة وبعد أشهر توفي - رحمه الله - وفي ليلة وفاته: طلب من ابنه عبد الرحمن أن يوجهوا وجهه للقبلة وهو على فراشه، وقال له: نَمْ قريباً مني، وكان في أول الليل يشعر بحشرجة في صدره، وظن الابن أنها حشرجة الموت، وفي آخر الليل هدأت، وبعد أذان الفجر استأذن الابن في أن يصلي في المسجد أو بجانبه؟ فقال الشيخ: اذهب للمسجد، ولا تتأخر بعد الصلاة. ثم جاءت زوجة ابن عبد الرحمن بالتراب لكي يتيمم به الشيخ، فأجلسته، وأسندته إليها، ثم تيمم الشيخ وصلى الفجر، وذكرتْ غفر الله لها وللشيخ أنه أدَّى صلاة الفجر، وكانت تسمع قراءته، فلما فرغ من صلاته، استأذنته في أن تضعه على فراشه، فقال لها: انتظري قليلاً، ثم بلع ريقه، وفاضت روحه - رحمه الله - وكان ذلك في يوم الاثنين 4 - 2 - 1373هـ وقد بلغ من العمر اثنتين وثمانين سنة، وستة أشهر، وعشرة أيَّام.
غفر الله للشيخ عبد الله ورضي عنه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأوفاه، وجمعنا به ووالدينا في الفردوس، وشكر الله للشيخ أحمد الجماز هديته التي حركت القلم لكتابة هذا المقال.