د.ثريا العريض
غداً 21 مارس هو اليوم الذي خصص للاحتفاء بالأم في البلاد العربية. فكل يوم وكل أم بخير؛ الأم التي أنجبت والأم التي ربت والأم التي علمت أبناءها وبناتها معنى الارتباط بين استقرار الأسرة وحسن المواطنة، ورضى الأم والأب ورقي التعامل مع المجتمع بناسه، وممتلكات الوطن العامة للجميع. وهي التي تابعت خطوات صغارها الأولى وتفاعلاتهم مع المحيط الحميم، لتعلمهم الإيجابية مع أول مهاراتهم المحدودة حتى لا تكون العدوانية أسلوب تفاعلهم مع الآخرين. وأن الاستقرار والبناء هو الطريق للوصول إلى الرضى عن النفس والشعور بالسعادة وليس الهدم والتخريب وسوء التصرف.
ومع هذا فكلنا يعلم أن الإنجاب شيء والأمومة شيء آخر وحسن التربية وتنشئة الطفل شيء ثالث.
وقد رأى البعض أن تخصيص يوم للاحتفاء بالأم فيه تقصير واضح، حيث يجب أيضا تخصيص يوم للاحتفال بالآباء والأبوة، وفعلوا ذلك. بينما الأمر يتطلب التذكير بالاهتمام بالأسرة وعماديها الأم والأب، وأنه حتى لو كانت قدرة الحمل مقصورة على الأم، فإنّ الإنجاب فعليا يتطلب وجود الأب ولو عبر أنبوب مختبر. والتربية تتطلب وجود أبوين دائمي الاهتمام بعيداً عن الأنانية الفردية أو تحميل المسؤولية لأحدهما فقط.
الأهم إذن هو التركيز على أهمية الأسرة المتكاملة والمتوازنة العلاقات والمتشاركة في القيام بمسؤولية الوليد حتى يكبر، وهي لعمري مسؤولية تكبر مع الرضيع حتى يصبح إنساناً ناضجاً قادراً على القيام بدوره كفرد في مجتمع مترابط. وهي مسؤولية التنشئة الصحيحة والتربية البنّاءة قبل أن تكون استجابة لغريزة أمومة أو أبوة فطرية. وفي هذا اليوم لم يعد يكفي التأكد من تغذية المواليد والعناية بهم بدنيا وتتأكد من حمايتهم من برودة الطقس أو حرارة الشمس أو اعتداء أطفال الجيران. اليوم تمددت مسؤولية التنشئة بقدر اتساع متطلبات مواكبة مستجدات الحياة تقنياً ومعرفياً.
ولنا في تفاصيل العلاقة كما تحددها وتوضحها تعاليم ديننا القويم بين الأب والأم ومسؤوليتهما تجاه الطفل، ما يجعل العلاقة الطبيعية واضحة لأي فرد متزن سوي، ومستعد لتحمل مسؤولية عضويته في الأسرة، وليس فقط الإنجاب كنتيجة استجابة فطرية لنداء الغريزة.
بودي أن أرى المجتمع كله يركز على أهمية هذه المسؤولية ويحتفل، ليس فقط بـ«الودود الولود» أو «الفحولة المنجبة»، بل بحسن قيام الأم والأب بمسؤولية التنشئة والتربية واستقرار الأسرة.
أتمنى أن نرى الوالدين مهتمين بصدق يتابعان ما يستجد في علم نمو الطفل بدءاً بأول تكوّنه نطفة في جسد أمه حتى يتعدى المراهقة.
أتمنى أن يصبح احترام حسن القيام بمسؤولية الأسرة قيمة من قيمنا الاجتماعية، وأن لا نسمع بمعاناة نساء تركهن أزواجهن معلقات أو مطلقات وهربوا من مسؤولية النفقة أو مسؤولية الأبناء.
سعدت جداً بالتطور في الإجراءات الرسمية المستجدة في وزارة العدل في ما يتعلق بقضايا الأسرة، وبحق المرأة في الحصول على الأوراق الرسمية التي تثبت علاقتها بأبنائها وتمنحها قدرة القيام بمسؤولية تربيتهم لو اضطرتها الظروف الشخصية. وانتظر أن نرى تطبيق القانون الجديد للأحوال الشخصية الذي مر بنا كمقترح رحبت به في مجلس الشورى. المجتمع واستقراره لا يمكن أن يترك للأهواء الشخصية وتغليب رغبة الاستجابة للغريزة على مسؤولية الانتماء لأسرة ثابتة الأركان بعضوية واضحة الحقوق والمسؤوليات.
فليكن احترام الكيان الأسري والقيام بمسؤولية العضوية فيه جزءاً من منهج الدراسة ، وأعراف المجتمع، ولنحتفل بالأسرة المترابطة كل يوم في حياتنا.
وكل عام وكل أب وأم وطفل بخير في أُسرة يحميها المجتمع كله.