جاسر عبدالعزيز الجاسر
بين الواقع المعاش، وبين التأمل الذي كانت عليه ثلاث مدن عربية سقطت في غفلة «عروبية» في شبكة العنكبوت الفارسية.
دمشق، بغداد، بيروت، عواصم كانت لآلئ تضيء سماء العروبة، فأمست اليوم تعيش كسوفاً دائماً، بعد أن حجبت غربان الظلام، ضوء التفوق والإبداع والمعرفة.
دمشق عمر أبو ريشة، ونزار قباني، المدينة التي تحفها البساتين العابقة بشذى الزهور، تعيش الآن فسحة بعد تشييع الجنازات.
دمشق التي يكفي أن تمشي بأزقتها حتى تسكن روحك وتعود إلى هدوئك، أصبحت مدينة مملة بعد أن طغت على أحاديث من يغشوها من الغرباء لكنة أعجمية تجمع بين الفارسية والهندوكية والأفغانية.
دمشق الجميلة، أصبحت قبيحة بعد أن غزاها من قدموا لحماية من حولها من عروس، إلى عجوز شمطاء.
وبغداد، مدينة المدائن مدينة أبي جعفر المنصور، وهارون الرشيد، مسرح ألف ليلة وليلة، المدينة التي أهدت للعرب والمسلمين، كوكبة من علماء الفقه وأئمة المذاهب، وشعراء العربية، والتي مشى في أزقتها وشوارعها أعظم شعراء العربية من أبي الطيب المتنبي إلى أبي نواس، والمدينة التي قدّمت للجميع قيثارة الغناء العربي زرياب الذي نقل الفن العربي إلى أوروبا وعبر بأنغامه إلى الأندلس، ماذا تبقى منها؟.. كنت إذا أردت أن تنفس عن همومك يكفيك أن تطلق ساقيك في شارع أبي نواس مستأنساً بالنظر لمياه دجلة ونخيل بغداد وأشجارها الفواحة، وإذا أردت أن تنصهر في واقع الحياة، ادلف إلى شارع الرشيد الملاصق لأبي نواس، وانهمك أكثر في ضجيج الحياة مع الصخب الذي يعيشه سوق الشورجة.
ماذا بقي من بغداد؟.. حكام جاؤوا تحت عباءة الاحتلال محاصرين في منطقة أسموها الخضراء، وما هي بخضراء، لأنها منطقة مغتصبة، استولى حكام بغداد القادمون مع المحتلين على مساكنها واقتطعوا أجمل أحياء بغداد، وسورها وأسموها بالمنطقة الخضراء، وما هي إلا خضراء الدّمن.
وبيروت.. بيروت بشارة الخوري، ورياض الصلح، بيروت صائب السلام، ورفيق الحريري، بيروت حيث انطلق صوت فيروز وصباح وسميرة توفيق ونشر الرحبانية ألحاناً جمعت بين السمو والروح.
بيروت التي كانت مقصد من يسعى إلى غسل همومه، ويستعيد عافيته الفكرية والعقلية والصحية، بيروت التي كانت مقصداً ومكاناً لعشاق الحرية، ومن يريدون أن يحموا أنفسهم وأفكارهم من جور الحكام.
أين هذه البيروت زهرة عواصم العرب، بعد أن لوّثها ممثلو ولاية فقيه الشر ومروّج الكراهية في بلد ومدينة لا تعرف إلا الحب والجمال.
دمشق وبغداد وبيروت ضحايا تسلُّط الغرباء العجم، فمن يعيد البهجة لأهالي ومحبي هذه العواصم؟.