جاسر عبدالعزيز الجاسر
في خطوة مفاجئة لم يفق من صدمتها بشار الأسد حتى الآن فاجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجميع بمن فيهم المهتمون بالشؤون السياسية في موسكو من الروس والخبراء السياسيين الذين يملؤون السفارات الأجنبية والمكاتب الصحفية ومراسلي الوكالات الأجنبية في موسكو.
لم يكن أحد قبل إعلان قرار الرئيس بوتين سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية في سوريا يتوقع هذا التطور الدراماتيكي، فقبل أيام فقط عززت روسيا من تواجدها العسكري في سوريا، وأرسلت طائرات مقاتلة جديدة، ودعمت أسطولها الذي أصبح يستوطن البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل السورية، بعدد من البارجات والغواصات المزودة بالصواريخ، إضافة إلى إرسال مقاتلين من النخبة من القوات الخاصة الروسية إلى القاعدتين الروسيتين في حميميم وطرطوس.
كل هذا، وما سبق من تصعيد في المواقف الروسية، سواء الموجهة إلى تركيا أو إلى المعارضة السورية، تظهر أن قرار الرئيس الروسي لم يكن مبرمجاً وإنما اتخذ لوجود مستجدات جعلت الرئيس بوتين يعجل باتخاذ مثل هذا القرار الإستراتيجي.
الخبراء الإستراتيجيون والسياسيون في موسكو من روس وأجانب يتساءلون: هل القرار الرئاسي يشكل إعادة تموضع أم انسحاباً تدريجياً من سوريا قبل الغرق في وحلها وحروبها التي تتوالد وتضيف كل يوم أعباء جديدة لمن يشاركون فيها، والتي ستحرقهم في أتونها؟ أم أن الخطوة الروسية تتماشى وتتوافق مع إطلاق العملية السياسية الجديدة التي تستهدف تعزيز الحل السياسي، وذلك بالعودة على التأكيد والالتزام بالشروط المسبقة لمؤتمر جنيف (1).
يرد الخبراء الدوليون، سواء في موسكو أو واشنطن وحتى في العواصم العربية والدولية، أن قرار الرئيس بوتين سواء إعادة تموضع أو انسحاب يشبه إلى حد كبير القرار في أفغانستان، فإن الواضح بأن الروس يراهنون على مفاوضات جنيف لاستكمال الإمساك بقرار السلم بعد الحرب في ميادين المعارك التي اتسعت كثيراً، وتهدد بامتدادها إلى دول مجاورة لسوريا كتركيا والعراق، مما يجعل الدول التي لها مليشيات وجيوش محلية تقاتل وكالة عنها، تتدخل بصورة مباشرة، وهذا ما يجعل روسيا تتورط أكثر فأكثر في الوحل السوري، ويجعلها وكأنها (البودي جارد) الذي يقوم بحماية بشار الأسد الذي تجمع معظم الدول على إبعاده عن الواجهة.
في موسكو يؤكد حتى أقرب المقربين للكرملين من الرئيس بوتين، فاجأ من دون شك دمشق، وبشار الأسد شخصياً، وقد يرى بطانة بشار الأسد ونظامه أن الروس والرئيس بوتين قد أدخله إلى (عش دبابير مفاوضات جنيف) ثم تخلى عنه بسحب القوة الرئيسة التي كان النظام يسند ظهره إليها، وأن الروس قد أدوا ما طلب منهم باعادة الأطراف السورية إلى مفاوضات جنيف بعد قلب المعادلة الميدانية في سوريا، وجعل كفة المتقاتلين متعادلة إلى حد ما، فالنظام وما تبقى من جيش ومليشيات طائفية والحرس الثوري الايراني وحزب الشيطان اللبناني يشكلون جبهة تعادل فصائل المعارضة المعتدلة، أما داعش والنصرة فسوف تظل موسكو مشاركة لواشنطن في جهد إلقائهما من المعادلة العسكرية.
إذن، يرى بطانة الأسد في دمشق وحتى طهران، أن الروس أوصلوا بشار ونظامه إلى مفاوضات جنيف وتركوهم ليواجهوا مصيرهم في مفاوضات مقامة أساساً على مبدأ انتقال سلمي للسلطة، وسواء أعلن أم لم يعلن من قبل الروس على الأقل، فإن هذه المفاوضات نأمل منها أن تنهي حكم الأسد وتستبدله بحكم وطني يتشارك فيه ممثلو المعارضة المعتدلة ومن عمل مع نظام الأسد دون أن يكون متورطاً في جرائم إنسانية.