جاسر عبدالعزيز الجاسر
ما كوّنه المحللون والمتابعون السياسيون لأداء الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، ونفوره المتزايد الذي يتتابع الكشف عنه من العرب المسلمين، مع عدم استطاعته إخفاء ميله وتفضيله لفئة أخرى من المسلمين غير العرب يتبعون نهجاً آخر، أخذوا يكيفونه بما يخدم توجهاتهم السياسية والعرقية.
المتابعة المستمرة لأقوال وتصريحات أوباما، ومواقفه من الدول الإسلامية العربية المحورية، تأكدت بما لا يمكن الشك، بعد الحديث المطول الذي أدلى به إلى مجلة اتلانتيك الذي لم يخفِ عداءه للعرب المسلمين، وليس نفوره، أو حتى سلوكه نهجاً سياسياً نتيجة التزامه الفكري والحزبي، كونه ينتمي إلى تيار في الحزب الديمقراطي الأمريكي لا يميل إلى المجتمعات المحافظة التي تؤمن بالأديان السماوية، وأنه لا يريد أن يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية ملزمة بالدفاع عن دول المجتمعات المحافظة، رغم أن مصالح بلاده مرتبطة ارتباطا وثيقا بتلك الدول.
القضية ليست ميلا لتيار ليبرالي في الحزب الديمقراطي الأمريكي، ولا هو مسعى لتخفيف الالتزامات العسكرية الأمريكية، بل هو وكما يظهر التحليل السياسي والمضمون لأقوال أوباما وتصريحاته سواء القصيرة أو المطولة، بأن أوباما بن حسين، له نظرة مسبقة عن المسلمين، أن له تصنيفاً خاصاً به مستمداً من حياته عبر مراحلها المختلفة، سواء في طفولته، أو في مقتبل شبابه في إندونيسيا، وبعدها في مرحلة التكوين والدراسة الجامعية والتكوين السياسي والعمل الأكاديمي.
واحد كباراك أوباما الذي تمتد جذوره إلى قبيلة أفريقية كينية مسلمة، أبوه مسلم، ثم يتربى في كنف زوج والدته مسلم آخر من إندونيسيا، مثل هذا لا يمكن أن تنقطع صلته بالإسلام بعد أن يترك إندونيسيا ويذهب للعيش في كنف جدته في أمريكا، وأن واحدا مثله يدخل الجامعة، ويتطور فكره ويدخل في معمعة الأبحاث كونه يواصل دراسته العليا، وهو الذي يعرف من أين جاء، وكيف عاش ويقطع صلته بالبيئة التي عاش جزءا من حياته فيها، وأن أصوله تعود إلى تلك البيئة.
لا يمكن التصور أن باراك حسين أوباما لم ينشغل بدراسة الإسلام على الأقل كجزء من دراساته وتكوينه الأكاديمي.
ومثل هذا لا يمكن أن يتخذ كل هذه المواقف الصادمة من العرب المسلمين ومن دولهم المحورية كالمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية إلا نتاج موقف فكري تكون نتيجة ما تكون من دراسات واهتمامات أكاديمية وجدت هوى وربما توافقاً مع المناخات التي تنتشر في أروقة الحزب الديمقراطي الأمريكي.
أوباما يقول في حديثه لمجلة أتلانتيك إن الأمر معقد في تعامل أمريكا مع المملكة السعودية كأصدقاء.
هذا التعقيد هو ما يفرضه ما ترسخ لدى أوباما من تراكم وتبني لفكر معادٍ للمسلمين العرب، وهو وإن لم يكشف عنه تماما لاعتبارات لها علاقة وثيقة بالمصالح الأمريكية التي يعرف أوباما أكثر من غيره أنها تصب لصالح أمريكا، ولا يستطيع أن يذهب بعيداً في إظهار أفكاره وعدائه، إلا أن موقفه من مصر فضح كثيراً مما يعتقد ويؤمن به، وإذا ما غادر أباما البيت الأبيض وهو ليس ببعيد ستظهر الكثير مما كان يخفيه وما قام به للإضرار بمصالح البلاد التي رأسها نتيجة ترسبات فكرية تكونت في إحدى مراحل حياته.