جاسر عبدالعزيز الجاسر
بعد ثلاث جلسات لوزراء خارجية الدول العربية، وبعد أخذ ورد وتحفظ قطري، اختارت الدول العربية الوزير السابق أحمد أبو الغيط أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، والغيط ترتيبه الثامن في جدول أمناء الجامعة العربية الذين جميعهم من المصريين باستثناء الأستاذ الشاذلي القليبي التونسي الذي جاء بعد نقل مقر الجامعة إلى تونس إثر مقاطعة العرب لمصر بعد اتفاقية كمب ديفيد، وبعد إحدى عشرة سنة عادت الجامعة إلى مصر حيث مقرها العتيد المطل على نهر النيل الخالد، ليعود الأمين العام من مصر، فاختير الدكتور عصمت عبد المجيد الذي خلفه عمرو موسى والذي قضى عشرة أعوام مثل سلفه الدكتور عصمت، ليأتي الدكتور نبيل العربي الذي لم يبق أكثر من فترة واحدة، أربع سنوات لا غير، على غير عادة من سبقوه والذين لم يقل أي منهم عن عشرة أعوام، ومنهم من قضى ضعف ذلك، إذ إن الأمين العام الثاني محمد عبد الخالق حسونة قد جلس على كرسي الأمين العام للجامعة عشرين عاماً من عام 1952 إلى عام 1972م، ومع أن اثنين من الأمناء العامين لم يكملا عقد العشر السنوات، إذ إن عبد الرحمن عزام الذي تسلم أول منصب للأمانة العامة قضى فيه سبعة أعوام من عام 1945 إلى 1952م، فإن ذلك مرتبط بالسنوات الأولى للتأسيس، أما الثاني الذي لم يكمل العشر السنوات فهو الأمين العام الثالث محمد رياض والذي أمضى أيضاً سبع سنوات أو أكثر بقليل ولم يصل إلى المعدل الذي وصل إليه الأمناء العامون للجامعة العربية بسبب مقاطعة العرب لمصر ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وبالتالي اختيار الشاذلي القليبي أميناً عاماً من دولة المقر تونس.
طوال هذه الحقب الزمنية والفترات التي قضى فيها هؤلاء الأمناء العامون وجميعهم لهم خبرات متراكمة كونهم وزراء خارجية سابقين باستثناء عزام وحسونة والقليبي، فإن الآخرين كانوا قد شغلوا مناصب وزارية في مصر وبالتحديد وزراء للخارجية المصرية، إلا أن أداءهم اختلف من واحد إلى الآخر وإن كان أكثرهم توهجاً وحركة هو الأمين العام الأسبق عمرو موسى، ومع هذا تراجع أداء جامعة الدول العربية وبالذات على صعيد تعزيز الوضع العربي على المستوى الدولي، إذ تراجع وضع القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية، وضعف تأثير جامعة الدول العربية حتى في حل القضايا العربية، بدءاً من الوضع في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، ثم الأزمات التي اندلعت في ليبيا وسوريا واليمن، وظل تأثير الجامعة يتراجع رغم كل المحاولات التي بذلها الدكتور نبيل العربي، إلا أن الجامعة العربية التي تأسست قبل منظمة الأمم المتحدة عام 1945م تحتاج إلى أكثر من تجديد دماء الأمناء العامين، فهي في حاجة ماسة إلى تطوير أدواتها وتفعيل نظامها الأساسي وتعديل إجراءات التعامل بين الدول الأعضاء، إذ ظلت عوائق العمل بينهم أكثر من محفزاتها ودوافعها القادرة على تجاوز شذوذ بعض الدول التي تخضع لمزاجية وشخصنة قادتها، وهكذا ظلت الجامعة أسيرة عدم جدية واهتمام الدول العربية في كثير من المراحل، وأثرت عليها كثيراً الخلافات العربية، ومع أن جامعة الدول العربية قد أسهمت في تطوير آليات العمل العربي المشترك خاصة في ربط الدول العربية في مجموعة من الاتفاقيات نشطت مفاصل عديدة في الثقافة والتبادل التجاري والاقتصادي، إلا أن المأمول وما هو متاح يتطلب إضافات أكثر، وهو ما يأمله الكثير من العرب بعد اختيار الوزير أحمد أبو الغيط الذي يُعدُّ من أكثر الدبلوماسيين العرب إلماماً بقضاياهم وأكثر خبرة في التعامل مع الأزمات الموروثة والطارئة التي تعاني منها الدول العربية.