فهد عبدالله العجلان
في اليوم نفسه الذي التأمت فيه مفاوضات جنيف بين المعارضة والنظام السوري لتستعيد مسارها، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشكل مفاجئ عن انسحاب فوري لقوات بلاده من سوريا بعد 6 أشهر من تدخلها في أتون حرب تمثل الأسوء في القرن الواحد والعشرين، لم يكن مستغرباً حماس الروس تجاه القضية السورية، فهذه الأرض اليوم هي الوحيدة التي تحتضن قاعدة روسية خارج إطار دول الاتحاد السوفيتي، وقد كان التدخل الروسي مهماً لاستعادة النفوذ وترسيخه بعيداً عن الحضور الإيراني الذي أصبح طاغياً في دمشق!
الانسحاب الروسي كان مفاجئاً للأوربيين ومغلفاً بالغموض في الموقف الأمريكي ومرحباً به من قبل المعارضة السورية التي تريده أن يكون فعلياً وترى فيه خطوة جدية لتخلي الروس من دعم بشار الأسد ونظامه الذي يقتل شعبه ويهجره، لكن ورغم إجماع العالم على مفاجئة القرار الروسي حاول النظام السوري التقليل من شأنه مدعياً أنه بتنسيق مسبق بين الروس والسوريين، بل إن مستشارة بشار الأسد الدكتورة بثينة شعبان وصفت الانسحاب بأنه تطور طبيعي لنجاح الهدنة! متجاهلة دلالة التوقيت التي تعني الكثير!، حيث جاءت كصعقة كهربائية لإنعاش قلب العملية السياسية الذي توقف عن العمل!
حديث الرئيس بوتين كان واضحاً أن التدخل الروسي كما يراه منذ اليوم الأول يهدف إلى خلق بيئة ملائمة للتمهيد لعملية السلام كما يراها، في حين اتضح أن النظام السوري الذي يمثله بشار الأسد لم يكن يرى فيه أكثر من مناورة لتثبيت نفسه في الحكم رغم قتله لأكثر من ربع مليون مواطن سوري، وتهجير أكثر من 10 ملايين منهم في أصقاع الأرض، وحين تحسن الوضع الميداني لجنود النظام على الأرض شعر المتهالك بشار إلى إعلان انتخابات رئاسية خلال 18 شهراً، وهو ما رَآه الروس خطوة منفردة لا تدعم العملية السلمية لإنهاء الصراع في روسيا.
أعتقد أن الانسحاب الروسي خطوة مهمة لإعادة التوازن من أجل التوصل إلى حل يقود إلى مرحلة انتقالية لا دور لبشار الأسد فيها، ولا نفوذ فيها والمساحة لأطماع إيرانية تعززها بالدفع بمليشيات طائفية تقتل على الهوية، ولا تملك القدرة على الاستقرار والاستمرار في أرض تلفظها!
أدرك العالم اليوم وأولهم النظام السوري أن الفلتان الأمني الذي حاول من خلاله بشار ومن ورائه ملالي إيران خلط الأوراق قد انتهى، وأن السلام الذي لابد أن يقود النظام إلى تخليصه من أعبائه التي حملها بشار الأسد قد حان وقته، وكما قال ديمستورا عن المفاوضات إنها لحظة الحقيقة، فكل من تلطخت يده بدماء الأبرياء سيُرمى في البحر من أجل أن تصل سفينة الوطن السوري إلى بر الأمان! فحقيقة الانسحاب الروسي ستظهر في موقف النظام الذي سيترجم جديته بمواقف قد تكون أكثر مفاجئة من الانسحاب الروسي نفسه!