فهد عبدالله العجلان
حين كنّا طلاباً في بداية الألفية الثانية في بلاد العم جان بول، كنّا نتحسس كثيراً من بعض الأسئلة التي تتناول بلادنا أو مجتمعنا من قِبل الزملاء والزميلات أو الأساتذة. وكان أمثلنا طريقة يدافع باستماتة عن ما يطرح من تساؤلات، باعتبارها اتهامات تستند إلى حقائق وقناعات مطلقة لا تتزحزح. غير أن أنفسنا سرعان ما هدأت، بعد أن عشنا في بيوت البريطانيين وتشاركنا معهم الطعام والمأوى وتجاذبنا النقاشات حول كل القضايا، ليعزز ذلك كله معايشتنا لكثير من جنسيات العالم المختلفة التي كانت تدرس أو تعمل هناك.. حينها فقط، اكتشفنا أن طيفاً كبيراً من تلك القناعات تشكّلت عبر مصادر تلقٍّ مختلفة، منها ما هو قاصر المعلومة ومنها ما هو موجّه، ومنها ما هو مغرض مع سبق الإصرار والترصُّد، في ظل غياب كامل من دبلوماسيتنا الشعبية وصوتنا الإعلامي الخارجي الواعي.
في أحد المساءات الشاتية، قال الـ(Land lord) البريطاني الذي كنت أسكن طالبا في بيته، وبعد فيض نقاشات طويلة: قضيتكم عادلة ولكن ليس لديكم محامون!. العالم لا يعرف عن بلادنا وتفاصيلها أكثر مما ينقل إليه أو نساهم في ترسيخ ما نقل له بفعل أو قول، فالمنتج الثقافي والاتصالي الذي يرد إليه من قِبلنا لا يتجاوز صوراً مبتسرة في فيلم أو قصاصة في مجلة أو صحيفة.
تابعت قبل أسابيع ردة فعل المجتمع السعودي حول لقاءات وزير الخارجية عادل الجبير مع وسائل الإعلام الغربية، وقدرته على عرض موقف المملكة دون تلعثم أو تردد أو دفاع الضعفاء، فقد كان مقنعاً واثقاً هادئاً يدرك البعد الإعلامي والثقافي في العلاقات الدولية.
لم تكن لغة الوزير الجبير الإنجليزية المميزة مصدر توهجه بقدر وعيه وفكره بدلالات السؤال والموقف وأبعاد الحدث، فاللغة ليست سوى وعاء للفكر، وإتقانها دون إدراك للثقافة التي تنطق بها لا يتجاوز الشكل المجرد من المضمون، وقد جمع الوزير بينهما ليقدم النموذج الذي نفتقده.
نموذج الوزير عادل الجبير في التواصل الثقافي والإعلامي الدولي، هو ما يجب أن نؤسس عليه حضور بلادنا القادم، من جهة أن هذا النموذج لم يركن إلى الدفاع التقليدي، أو نفي ما يحمله الآخر بما يعزز الفجوة الثقافية ضد بلادنا، بقدر ما كان توضيحاً ذكياً لمواقف وقضايا عادلة بلغة تستلهم البعد التاريخي والثقافي في مخاطبة العقل الغربي.
هذا النموذج، منحنا الأمل وعزز طموحنا بأن يمثلنا في المرحلة القادمة، ويصل بصوتنا الكثير ممن تعلموا وعاشوا في الثقافات الأخرى، وتملكوا سلاح الوعي والثقافة وليس فقط اللغة.. فطريقنا للتواصل مع الآخر طويل والتحديات الحاسمة لم تبدأ بعد.