فهد عبدالله العجلان
من الصعب أن يقرأ الإعلام الغربي في سياق واحد، فهو إفراز لتراكمات تاريخية وصراعات سياسية واختلافات فكرية، حتى وإن بدت بالمعايير المهنية متشابهة ومتقاربة، لكن كل تلك الخلافات تجمعها قيم واحدة هي حقوق الإنسان بمفهومها الغربي، والمملكة العربية السعودية اليوم تواجه هجوماً شرساً يكاد لا ينقطع يرتكز حول هذه الحقوق وثقافتنا الدينية التي نُتهم في بلادنا أنها أساس الإرهاب العالمي!
أزمة الإعلام الغربي معنا أنه يستنسخ أخطاءه، فهو يقرأ الواقع من خلال مرآة لا تختلف عن مرآة السيارة، إلا أن الأخيرة يضع صانعها عبارة تحذيرية أن الأشياء لا تبدو كما هي في الواقع!
بعض الإعلاميين الغربيين يبحث عن الحقيقة فيجدها، وآخرون يستندون إلى مصادر تتحيز إلى ما تراه الأكمل والأفضل استناداً إلى معاييرها دون أن تتقصى الحقائق، وآخرون يزوّرون الحقائق قصداً لشيء في نفس يعقوب!
ليست هذه المقدمة استظهاراً لنظرية المؤامرة، لكنها مبتدأ للتوسع في قراءة حماس بعض هذا الإعلام اليوم لمهاجمة بلادنا وتزوير الحقائق بطريقة تخالف المنطق والمنهج العلمي الذي يُفترض أن يكون أكثر تأصيلاً ووضوحاً لهم من أي مكان في العالم!
جزء مما نرصده اليوم في الإعلام الغربي هو تحيُّز صارخ في التمييز داخل الإرهاب نفسه وهو في نظري ما يقوِّض الحرب على الإرهاب، ويُعطّل فاعلية دور الدول التي تواجهه بالتزام وصرامة واحترافية كالمملكة العربية السعودية، فانتقاء إرهابي من قائمة 47 إرهابياً للدفاع عنه، وهو نمر النمر وتقديمه كضحية دون غيره يطرح أكثر من تساؤل: فإذا كان القضاء السعودي في نظر الإعلام الغربي غير نزيه فإن التشكيك في التهم الموجهة للإرهابيين الآخرين ومن ثم الأحكام الصادرة بحقهم أيضاً لا بد أن يسحب عليهم كما انسحب على الإرهابي نمر فلماذا الانتقائية إذن؟.. وهل من يختار الدفاع عن مظلوم كما يراه دون مظلوم آخر تنطبق عليه نفس المعايير التي يتبناها يملك الأهلية للحديث حول الإنسان ويقدم نفسه كحامٍ لحقوقه ويقدم الدروس للآخرين في اقتدائه!، من السخرية أن أغلبية من كتبوا من الصحفيين والإعلاميين حول المملكة في هذه القضية تحديداً لم يطلعوا على نظام الإجراءات الجزائية في المملكة وربما لم يعرفوا أنه موجود أصلاً!
هذا التحيُّز الطائفي في تصنيف الإرهاب والذي يترجمه الإعلام الغربي جلياً لا يمكن النظر إليه بمعزل عن صورة أكبر في تهيئة بيئة حاضنة للصراع المذهبي الدموي القاتل، فما يسوقه الإعلام الغربي اليوم ضد المملكة العربية السعودية ودورها في المنطقة يتفق تماماً مع ما يطمح إليه الإرهابيون من تحجيم لدورها وتشكيك في مصداقيته، لتخلو الساحة من أي مواجهة جدية لمشروعهم العدمي!
غريب أن هذا الإعلام والصحافة الاستقصائية العتيدة التي تزعم أنها تبحث في تفاصيل كل ما تكتبه حول المملكة تتجاهل جرائم إبادة وتهجير وتغيير ديمغرافي ممنهج في العراق وسوريا على يد الحشد الشعبي، وهي مليشيات مؤدلجة تتزعمها قيادات دينية إقصائية لا تؤمن بوحدة الدولة ولا بحقوق الإنسان الذي تراه إنساناً!
كل ما يأمله المنتمون إلى المنطقة التي يراها الغربيون شرقاً أوسطياً اليوم هو التوقف عن العبث واللعب بثقاب الإرهاب والطائفية لأن هذه المنطقة وللأسف تغطي تحت بحرها الديمغرافي الكبير باروداً سريع الاشتعال لن تتوقف حرائقه حين يشتعل عند حدود المنطقة والتاريخ القريب أكبر شاهد!