د. فوزية البكر
كان هذا هو عنوان المؤتمر العالمي الأول الذي عقده قسم السياسات التربوية: مسار رياض الأطفال في كلية التربية بجامعة الملك سعود خلال الفترة من 1-3 مارس 2016 وذلك كاستجابة لدعوة المغفور له الملك عبد الله التي صدرت عام 1432 للتصدي لخطر الألعاب الإلكترونية ودعوة الجهات ذات العلاقة ومنها الجامعات ومراكز البحوث لدراستها في محاولة لحماية المجتمع من أخطارها المحدقة.
كان رحمه الله وكأنه يرى ما سيحدث في الأعوام اللاحقة حين غزت بعض هذه الألعاب الإلكترونية عقول وقلوب بعض شبابنا ومراهقينا وأودت بهم إلى التهلكة إما عبر استقطاب بعض المنظمات الإرهابية لهم رجالاً ونساء أو عن طريق النتائج الوخيمة لإدمان الألعاب الإلكترونية على أجساد وعقول الشباب حيث انتشرت ظواهره السلبية بينهم مثل السمنة والسكري وأمراض القلب التي عرفت مؤخراً بين أطفال ومراهقي الخليج.
من لطائف هذا المؤتمر أنه علمنا على سبيل المثال أن مخترع الآيباد ستيف جوبز أجاب عندما سئل فيما إذا كان لدى أطفاله آيباد أو ألعاب إلكترونية بقوله باسماً: لا يوجد لدى أطفالي آيباد وأنا حريص على أن يلعبوا الألعاب التقليدية ويتفاعلوا مع من حولهم بشكل أفضل ينمي مشاعرهم.
هذا في الوقت الذي أظهرت فيه إحدى الدراسات التي عرضت في المؤتمر أن الطفل السعودي يمضي ما لا يقل عن أربع ساعات يومياً مع مختلف الأجهزة من ألعاب إلكترونية أو هاتف جوال أو شاشات تلفزيون أو مشاهدة أفلام وألقت الباحثة سؤالاً هاماً على الحاضرات بقولها: هل تعرفون أطفالكم حقا وأنتم لا تتحدثون معهم طالما يبقون مع التقنية كل هذا الوقت؟.
وأكدت على سوء ذلك الباحثة من جامعة هارفرد د. سوسن لين والتي تقود حملة كبيرة منذ العام 2000 وحتى اليوم لمحاربة استغلال الأطفال تجاريا من خلال استهلاك طاقاتهم الذهنية والاجتماعية في الألعاب الإلكترونية من خلال ورقتها بعنوان: أطفال أصحاء في عالم الديجتل والتي أوضحت فيها أهمية الألعاب التقليدية التي تشرك الطفل والأهل معاً في أنشطة جسدية وذهنية تنمي حواس الطفل المختلفة وتحقق المتعة والألفة والمشاركة بينهم وبين أهاليهم وتخلق الذكريات المشتركة التي تكوّن ما يسمى بالعائلة.
أهمية هذا المؤتمر الذي استمر العمل في إعداده أكثر من عامين وبأكثر من مائتي اجتماع لمختلف اللجان هو أنه يتناول أحد المواضيع الهامة التي أقلقت الجميع لكن المؤتمر أيضاً ظهر بصورة مذهلة بموازاته لأكبر المؤتمرات العالمية من حيث تنظيمه وحجم وقيمة محاضراته وأنشطته بما يؤكد قيمة القدرات الوطنية النسائية والرجالية في تنظيم عمل عالمي الحجم كما حدث في هذا المؤتمر المذهل الذي حق لجامعة الملك سعود أن تكون فخورة به والذي تنوعت فعالياته ما بين متحدثون رئيسيون وجلسات متزامنة وحلقات نقاش لأبحاث طالبات الدراسات العليا في مواضيع الطفولة وبين ورش العمل التي بلغت 28 ورشة قدمت فيها أبرز التجارب التي تجري في الميدان في مجال رياض الأطفال واستخدام اللعب في المراحل المختلفة كأحد أهم وسائل التعلم حتى وصلنا إلى المعرض المصاحب الذي أبهر الجميع بحجم الطاقات الوطنية التي شاركت عبره من الروضات والقطاعات المتخصصة في مجال ألعاب الأطفال التعليمية.
المؤتمر وكما من عنوانه يناقش مدى جدوى الألعاب الإلكترونية مقابل التقليدية والتي أكد على أهميتها الكثير من الباحثين فهل يعني حديثنا وتأكيدنا على سوء الألعاب الإلكترونية أن الأطفال يجب ألا يلعبوها؟ هذا هو السؤال الذي طرح على البرفيسورة أيونا والتي أكدت الحقيقة التي نلمسها جميعا وهي أن علاقة هذا الجيل بالتقنية مختلفة عن علاقتنا بها فمثلما وجدنا الماء يصب من الحنفية والثلاجة تحفظ اللحم وأن أمهاتنا لم يكن مضطرات لإشعال نار الطهو بأنفسهن وجد أطفال اليوم في عالم ملئ بالتقنية بحيث يبدو التعامل معها طبيعي جدا بالنسبة لهم لذا لا فائدة من محاولة منعهم من ذلك وسألت الحاضرات سؤالا: أطفالكن يحبون الآيس كريم؟ هذا صحيح لكن هل تقدمون لهم الآيسكريم طوال الوقت؟ بالطبع لا، لأنهم بذلك سيمرضون وهذا تماما يطبق على نسبة استخدام الإلكترونيات: أن يتدخل الأهل لضبط الوقت وكذلك بالمشاركة في هذه الألعاب لقضاء وقت أكبر مع أطفالهم. هذا يعلمنا أنه نعم: يحق للأهالي التدخل وفرض رقابة على ما يفعله أطفالهم ومراهقيهم وما يلعبونه ومع من يلعبون ولن يحدث ذلك إلا إذا آمن الأهل بحقهم في التدخل وأرضخوا الأبناء المدللين لقبول هذه الرقابة وهذا لن يتحقق إلا بتوفير التدريب التدريجي للإستراتيجيات هذا التدخل وطرق التعامل مع الأطفال والمراهقين وما أحوجنا في مجتمعنا السعودي لهذا.
يؤكد ذلك ما عرضه الباحثان فهد الغفيلي و فهد الموكلي وبالأرقام عن كيفية تسلل سم الإرهاب لبعض عقول مراهقينا بواسطة الألعاب الإلكترونية ودللا على بعض استنتاجاتهما من خلال فيلم أقلق الجميع ويقارن فيه الموكلي بعض تقنيات, القتل والعنف المستخدمة في لعبة إلكترونية تسمى (كول أوف ديوتي) وتلك الأساليب البشعة للقتل والعنف المستخدمة من قبل داعش!
قدمت في المؤتمر أوراق رائعة مثل ورقة د. كايرو التي استعرضت فيها كمية البحوث المكثفة التي قام بها فريق البرنامج الشهير افتح يا سمسم في نسخته الجديدة والمتاحة على اليوتيوب حاليا لتعليم الأطفال العرب المهارات اللغوية والرياضية والعلمية في حين أكدت د. سهى الحسن من جامعة السلطان قابوس على أن الأطفال الذين يشاركون في أشكال معقدة من اللعب الاجتماعي يتمتعون بمهارات لغوية واجتماعية أكبر من أقرانهم الغير مشاركين، وأكدت أنها في عملها العيادي باتت تشاهد الكثير من حالات التوحد والضعف اللغوي وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر بين كثير من الأطفال والمراهقين بسبب الإفراط في استخدام الألعاب الإلكترونية.
وبحجم أهمية المؤتمر ظهرت بعض من توصياته مثل:
التأكيد على دور الأسرة في تخصيص وقت لممارسة الألعاب التقليدية الغير رقمية بشكل جماعي.
التوسع والتنوع في استخدامات اللعب التقليدي الغير رقمي بطرق مختلفة مثل: تبني تخصص العلاج باللعب، تشجيع اللعب الخشن (الغير هادئ) داخل الروضات ضمن ضوابط وشروط لتحقيق سلامة الأطفال مثل تعلم تسلق الأشجار وجمع الثمار منها ورعاية بعض الحيوانات الأليفة وتعلم رعايتها وتنظيفها: أي كل ما يرجعنا إلى الطبيعة.
نادى المؤتمر أيضا بضرورة إشراك الأقسام الأكاديمية في الجامعات المحلية والعالمية لإنتاج برامج تعليمية رقمية وتقليدية للأطفال مع ضرورة التوصية بتبني وزارة التعليم لهذه الألعاب ونشرها للمدربين والمعلمين والأسر
*عالم الألعاب متطور ومتغير وبالأخص الألعاب الإلكترونية، لذا بدا واضحا أهمية هذا المؤتمر الذي جلب الآلاف ومن كل أنحاء المملكة مما يؤكد أهمية إقامة المزيد من المؤتمرات المهتمة والمختصة بدراسة اللعب وآثاره المختلفة وطرق توظيفه في حماية الأطفال والحفاظ على هوياتهم بما يؤكد أهمية الإقامة الدورية لمثل هذه المؤتمرات الحيوية.