د. فوزية البكر
قالت من سمت نفسها في تويتر (هامورة متواضعة):
«كل الحالات اللي انتشرت وحدثت كنا مذهولين، كيف اعرف ان بن عمي او اخوي داعشي؟».
«وهذا دليل أن الدواعش غيروا أسلوبهم وصاروا يمنعون معتقدينهم من التلميح أو التصريح بآراء تبين أنهم دواعش».
من الذي قتل الرقيب الرشيدي؟ إنهم ستة ممن تربى ولعب وأكل معهم، إنهم أبناء عمومته! فمن الذي دمر طفولة هؤلاء الستة وعبث بعذرية عقولهم الصغيرة وحولهم الى قتلة؟.
أوردت جريدة الحياة في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 28 فبراير وبعد مقتل الرقيب بدر الرشيدي أحد منسوبي قوات الطوارئ في منطقة القصيم بأن الرقيب المسكين تم استدراجه غيلة وبهتانا ليس عبر وسائل التواصل او لعدم حذر وحنكة الرقيب، بل ببساطة لأن من غدر به كانوا من أبناء عمومته، حيث تحدث مع والدته قبل الحادث مباشرة وأخبرها أنه ذاهب لنجدة أبناء عمومته الذين اتصلوا طالبين نجدته، فلم يشكك في حاجتهم، خاصة وهو كان مرتبطا بعلاقة قرابة وصداقة عميقة مع قاتله منذ الصغر !( اللهم رحماك )! ماذا يحدث لنا؟ ومن شوهنا الى هذه الدرجة؟
من العلامات الخطرة أيضا والمقلقة جدا في هذه الحادثة ان المشتركين فيها : طبيب يعمل في أحد مستشفيات العاصمة بالرياض والآخر يعمل في شركة خاصة والأصغر طالب جامعي؟ فما الذي نخرج به من هذه الحادثة البشعة؟
يجب أن نذكر أنفسنا أننا وفقط في السنتين الأخيرتين بدأنا نعلن عن حوادث الإرهاب الخاصة بقتل الأقارب، علما بانها كانت ظاهرة موجودة منذ أكثر من عقد، ففي قضية أخيرة نشرت في الصحف الأسبوع الماضي و ذكر في حيثيات الحكم ان القاتل استدرج خاله إلى استراحة له في القصيم وقتله عنوة، وكان هذا قبل سبع سنوات.
هيئة كبار العلماء نددت بحادثة الرشيدي التي أثارت ببشاعتها كل حس إنساني ووطني وطالبت ليس فقط بالتنديد بل بإيقاع القصاص الذي نتمنى من الله أن يوفق رجال أمننا البواسل للوصول الى القتلة وأخذ حق الرقيب المغدور وحق هذا الوطن من هؤلاء المجرمين.
خلق الله الإنسان على هذه الأرض ليعمرها، ولذا لم يخلقه شريراً بالفطرة، ونبينا عليه صلوات الله وسلامه يقول: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» لذا فما حدث لهؤلاء الأشقياء يخالف تماماً الفطرة الإنسانية السليمة. تحويلهم إلى قتلة مجرمين وغير مؤتمنين لا على روح أو بيت أو وطن هو السؤال الكبير الذي يجب أن نشغل أنفسنا بالبحث في أعماقه إضافة الى بحثنا عن هؤلاء القتلة وتحويلهم للعدالة.
الأسئلة الكبيرة هي مثل: هل الأسرة هي المسئولة عن هذا الاضطراب الخطير؟ أين الأم؟ وأين الأب؟.
مشكلة الأم مع الابن الذكر أنها تفقد أية سلطة على تحركاته، ومن يعرف ولا يعرف ومع من يتزامل بحكم الفصل التعسفي بين الرجال والنساء في هذا المجتمع، حيث لا تعرف الأم أصدقاء ابنها ولا تعرف كيف يقضون وقتهم إذا اجتمعوا، على عكس الابنة التي تظل تحت نظر الأم وعينها كما تدخل معها في صداقاتها ومشاويرها بما يمثل خطاً أول للحماية.
سيقول قائل: أين الأب في ذلك؟ وهو سؤال مشروع لكن يجب ان لا نضحك على انفسنا، بل لنعترف أن الأب السعودي غائب عن عائلته الا من رحم ربي. هم قلة قليلة من تتابع وتكرس الوقت لأبنائها، أما الغالبية العظمى من آباء مجتمعنا فمشغولون بالعمل للإنفاق على الأسرة أولا، وأيضا للابتعاد ما استطاعوا عن دوشة البيت والعيال، وهم حين يجدون متنفسا من الوقت فحرام ان يضيعوه بين عائلاتهم، بل ليرفهوا عن أنفسهم مع الأصدقاء والدوريات والاستراحات، ووسط ذلك متابعة مستجدات وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يرفعون أعينهم عنها، فماذا بقي للأبناء؟ وكيف يتعلم الذكور خاصة دور الأب؟.
الأمهات أيضاً في شغل شاغل بالزيارات والمناسبات الاجتماعية التي تستهلك أكثر من 60% من وقتنا للقيام بالواجبات الاجتماعية التي لا تنتهي، وبكبر حجم عائلات اليوم تضاعفت هذه المسئوليات الاجتماعية التي ساعد عليها وجود من يكون في البيت اذا غابت المدام، وهو الشغالة، ووجود السائق الذي يسهل المشاوير و تدريجيا يتلاشى دون أن نعي أهمية الغوص في حياة الأبناء خاصة، والكثير من الأخطار تتهددهم من مخدرات أو إرهاب أو صور إباحية عبر وسائل التواصل وغيرها.. إلخ.
المدرسة والمسجد لهما دور كبير أيضاً في كتابة فصول هذه المأساة الإنسانية والوطنية، فالمدرسة السعودية تخلت عن هدفها الرئيس الذي وجدت من أجله وهو التعليم والتنوير ورفع المستوى المعرفي والثقافي والاجتماعي والوطني، وبقيت كصورة تقليدية تكتفي بالحفظ والترديد والامتحانات الشكلية.
المسجد ورغم الجهود المكثفة لوزارة الشئون الإسلامية لضبط ما يحدث فيه إلا أن المسجد لا يقوم بدوره الاجتماعي والثقافي بدرجة تجذب المراهقين إليه، بل ظل في صورته التقليدية غير المطورة رغم أنه يحتل القلب في كل حي، وهو ما يدعونا هنا الى الدعوة لتجديد مهمة ووجوه مساجدنا لتلعب دورها المطلوب والأساسي في حياة الأحياء والشباب.
البدائل الثقافية والترفيهية أساسية وليست مطلبا ترفيا أو (ليبراليا) كما يتم تصويره. لا مجتمع ولا حضارة في العالم تعيش بدون صورة او صوت: بدون فيلم او موسيقى او رياضة او مسرح. الناس بحاجة الى ان تفرغ عن قناعاتها وتعبر عن نفسها بوسائل مختلفة منها الفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقية التي ستوجد البدائل المقبولة والمثيرة للعقل والنفس بدل الاستجابة لدعوة الإرهاب. الإنسان الطبيعي المتوازن لا يستجيب لدعوات الموت فماذا حدث لنا؟!.