إبراهيم بن سعد الماجد
يوماً من الأيام قبل ثلث قرن كانت مصافحتي الأولى لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض آنذاك.
في قصر الحكم كنتُ في مجلسه قُبيل الثامنة صباحاً لقضاء حاجة صديق هاب أن يقف أمام هذه القامة الرفيعة, وكنت أنا المتطلع إلى مقابلة حاكم الرياض, صافحته بعد عدد من المواطنين فنظر في خطابي الذي هو خطاب من صديقي وسألني هل هو من كتبه؟ وكان الخط يدوياً في غاية الجمال، قلت نعم، فقال: أعرض عليه أن ينتقل للعمل في إمارة الرياض وفي مكتبي، فرصة جاءت لصاحبي على طبق من ذهب, لكنه للأسف اعتذر في اتصال بمدير مكتب الأمير, فهو من النوع الذي لا يقدر على مقابلة الكبار!!
سنوات وسنوات قابلت فيها الأمير (الملك) في مناسبات مختلفة بين رسمية وخاصة, وآخرها كان في الديوان الملكي عند استقباله - حفظه الله - للمثقفين.
واليوم وأنا أكتب, أقف إجلالاً لهذا الرجل الذي تعلمنا منه الكثير, تعلمنا منه الوفاء فمن لا يعرف وفاء الملك سلمان لكل من له صلة به؟ وتعلمنا منه التواضع, وتعلمنا منه الحزم منذُ أن كان أميراً وإلى أن صار ملكاً فهبت مع أولى أيام حكمه عاصفة الحزم, تلك العاصفة التي أعادت للأمة جمعاً كرامتها وعزتها واعتزازها, وتعلمنا منه أهم أمر ألا وهو اعتزازه بعقيدته الإسلامية وحرصه على شرائع الدين الحنيف, فهو الراعي لجماعات تحفيظ القرآن الكريم, وهو الداعم للمؤسسات الخيرية المتعددة, وهو القائم على مؤسسات الإغاثة لكل منكوب ومحتاج.
لكنني في هذا المقال أركز على جانب واحد من شخصية سلمان بن عبد العزيز, وهو الجانب الاجتماعي، فقد عرفناه - حفظه الله - متواصلاً مع المجتمع, زائراً لمريض, ومجيباً لدعوة، وذلك عندما كان أميراً لمنطقة الرياض, ولكن بعد أن تولى مقاليد الحكم كان حديث الناس أنهم سيفقدونه في مثل هذا المناسبات, لتكون المفاجأة غير المستغربة من رجل يؤمن بأهمية التواصل تديناً قبل أي شيء آخر, فهو من مدرسة الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن - طيب الله ثراه -. والذي حصل أن برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لم يتغير بعد أن صار ملكاً, فزياراته للمرضى مستمرة, وحضوره للمناسبات غير منقطعة, بل إنه يقوم بإجابة دعوة خارج الرياض, ولعل الجميع اطلع على الفيديو المتداول عن زيارته لمحافظة الغاط, وحديثه الثري مع أبناء أخواله والحضور حول جوانب من التاريخ.
زياراته للمرضى قد تكون شبه يوميه, فعندما يسمع بمريض من كبار السن خاصة, فإنه لا يتردد في القيام بزيارته في المستشفى دون سابق ترتيب, بل إنه يقوم بأكثر من زيارة لمريض في نفس اليوم.
ثقافة الملك سلمان بن عبدالعزيز الدينية عالية مثلها مثل ثقافته التاريخية والاجتماعية, ولذا فهذه الزيارات تأتي من فهم دقيق لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله عزَّ وجل يقول يوم القيامة: يا بن آدم مرضت فلم تعدني قال: يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت ان عبدي فلاناً مرض فلم تعده, أما علمت لو أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ الحديث.. رواه مسلم).
وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي, وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح, وكان له خريف - الخريف الثمر المخروف أي المجني في الجنة -) رواه الترمذي.
قائدٌ استشعر الأثر الكبير لما يقوم به من عمل على المستوى الشخصي وعلى المستوى المجتمعي, فكان أن جعل هذه العادة التي هي عبادة فما هي إلا استجابة لتوجيه نبوي كريم, ملازمة له كل يوم, منذُ أن كان أميراً وإلى أن صار ملكاً ينوء كاهله بمسؤوليات عظام.