د. خيرية السقاف
قرأت أن إدارة المرور قررت سجن من يستخدم الهاتف الجوال أثناء القيادة أربعاً وعشرين ساعة.
ولئن كان هذا الخبر صحيحاً فإنه يتبادر السؤال: ما هي الآلية التي سوف يخضع بها «كل» السائقين للإيقاف؟ وما الذي سيترتب عليه حملهم من موقع الضبط إلى السجن من إجراءات؟! وإلى أين ستؤخذ عرباتهم إن كان الأخذ بهم إلى السجن فور الإيقاف؟!..
أم أن الشوارع سوف تكتظ بالعربات التي توقف في انتظار عودة سائقها بعد أربع وعشرين ساعة؟!..
أم سوف تسجَّل العقوبة مثل المخالفات الأخرى على رقم الهوية حتى يسدد قيمتها فإن تأخر تضاعفت..؟!
ثم من الذي سوف يجري عليه السجن، أهم جميع السائقين بكل فئاتهم، وسماتهم..؟! أم هناك عقوبة أخرى مختلفة؟!..
ثم هل أعدت إدارات المرور سجوناً تليق بالموقوفين عقوبة محادثاتهم، بوصف جريمتهم ذات صفة «عدم الاكتراث» فقط وليس غير..؟!
يبدو لي أن الجميع يحتاجون إلى شرح مفصل للقرار بحيثياته في حالة أن ما قرأت صحيح المصدر؛ إذ بتنا نقرأ خبراً ثم قد يفوتنا أمر تكذيبه.
فإن صدق أمر السجن عقوبة للسائق المستهتر بأمن الطريق فهو قرار جيد غير أن آلياته لم تتضح. وتأتي أهمية إيقاف هؤلاء السائقين بالغة نظير حجم الحوادث، وحصادها من الأرواح والمقدرات.
وإن إلزام الجميع بالامتناع عن استخدام الهواتف، بمن فيهم المسؤولون عن رقابة حركة السير، أو ملاحظة أمن الطرق، أولئك الذين تمر بهم فتجدهم خلف مقاود عرباتهم المرابطة في الأركان، والزوايا على الطرقات وهم مستغرقون في الابتسامات مع شاشات هواتفهم، لا يدرون ما يحدث خارجاً عنهم..
إنه عبء كبير هذا الذي تضطلع به إدارات المرور؛ لذا إن لم يتعاون معها الفرد ذاته فإنها مهما تفعل سيظل الجميع ينظرون إلى قصورها، لا تقصيرها؛ لأنها ليست مقصرة في ضوء فشل الفرد في مساعدتها جراء تجاوزاته وأخطائه الفردية الدائمة.
كذلك الأمر يندرج تحت طائلته كل موظف ينشغل بهاتفه وقت العمل في أي مكان.. وفي جميع المرافق؛ ذلك لأن أمر استخدام هذه الوسيلة استشرى، وبات يعطّل الإتقان، والمبادرة، وإنفاذ الواجب، والتفرغ للعمل بإخلاص لدى جميع شرائح المجتمع، كما باتت العقوبة ملزمة له..
ولكن كيف..؟!
من هنا نؤكد أنه يحتاج إلى حملة توعية، تبدأ بالمدارس، والإعلام، وتخطيط برامج توضيحية، وإيقاف جميع أفراد المجتمع على نتائج فادحة لاستخدام الأجهزة أثناء السير، أو غيره؛ فلعل الأفراد في بيتنا الكبير أن يعملوا على أنفسهم ألا يقلوا ثقة فيهم، وعنهم مثل بقية المجتمعات، تلك التي نستورد صناعتها من الأجهزة، ونستخدمها بجنون، بينما أكبر موظفيها لا يتلهفون عليها ما يصنِّعون، ولا يلهثون وراء صرعاتها، وليست لهم إلا لضرورة قصوى.. و»عند اللزوم»!!..
إن استخدام الهواتف النقالة والأجهزة ذات خاصية التواصل السريع في مجتمعنا أصبح ظاهرة فساد.
وإن «مؤسسة المرور» بوصفها جهة أمنية في الطريق ليست وحدها المنوط بها أمر الفرد غير الواعي، المستهتر، المفرغ حسه من المسؤولية، والانضباط، بل تأتي إلى جانبها بقية مرافق المجتمع..
وعلى الجميع معاً العمل الجاد المثابر لضبط السلوك العام؛ ذلك للنهوض بغرس ثقافة الأمان، والإتقان، وحسن الأداء، وواجب المسؤولية في نفوس الأفراد؛ لينعم المجتمع بوعيه الواجب، المواكب لبقية متطلبات المجتمع؛ ليكون متمدناً، وحضارياً في تفكيره، وسلوكه.