د. خيرية السقاف
عن بُعد، وعلى فرع غصن ينوف وقفت حمامة بيضاء طويلاً..
ظننتها مريضة فذهبت أفكر كيف لي الوصول إليها.. ؟
في مثل هذه المواقف يتعرف الإنسان المسافة بينه وبين الطائر الطليق..!
بينه وبين المسافات التي ليست في قدرته..!
بينه وبين الحدود التي يملكها..!
قبل أن يخترع حيلة عقلية لاجتيازها..!
وهذا هو الفرق بينه وبين الكائنات الطليقة في رحاب الله،
التي تتحرك وفق طبيعتها، وتكون في حالات فطرة تكوينها...!!
الغصن مثلاً لا ينحني لرغبة الإنسان من أجل أن يقرب من الحمامة,
وهي لا تنزل فقط لتستجيب لندائه..!!
بينما هو يحتال على مقدرات الطبيعة فيسخرها له،
يصنع السلّم من خشب الشجرة، ومن معدن المنجم، ويصعد متى يشاء،
لكن أتقف له حمامة دون أن تطير حين يقترب..؟!!
أما الغصن إن مال فحيث تحركه يده، لكنه لا يُنتزع من أمه الشجرة إلا حين يسطو عليه هذا الإنسان برغبته..!!
وقبل أن أصل بفكري لكيفية الوصول إلى الحمامة هناك في الأعلى، حطت جوارها أخرى آتية من بعيد،..!
حينها فقط تحركت الصامتة نحوها، اقترب رأساهما،
بدا لي أنهما تتحدثان..
دقيقة وأخرى، ما لبثتا أن قفزتا معاً إلى فرع آخر، فآخر، ثم حلّقتا خارج حدود الشجرة..
لم تذهبا بعيداً،.. اقتربتا من نافذتي، حطّتا هنا حيث الماء والحَبّ..!!
يا الله، إنهما من سرب يزورني كل يوم،
إذن لم تكن مريضة..
كانت تنتظر أختها لوجبة فطور..
اليوم لا أحد ينتظر الآخر للقمة يتقاسماها معاً..
لا في الصباح، ولا في المساء يجتمعان..
الناس مستعجلون دائماً..!
كلٌّ منهم يأكل على عَجَل..!!
إيقاع الحياة بهم تغيّر..
غير أنّ الكون في ناموسه الفطري، بكائناته التي لا تعقل,
لا يزال بريئاً,
مفرغاً من غايات البشر..
ومن ثم مما يشغلهم..!!