د. خيرية السقاف
يحدث أن تلتقي أطفالاً في الشوارع، يقتربون منك أو تفعل، تصغي إليهم متعمّداً، أو بشكل عابر، يتحدثون إليك لشأن ما، أو تشاغبهم بالأسئلة لغاية ما،
فتكتشف في لمعة عيونهم ثقة الذكي المحنّك، في نبرة أصواتهم وضوح المدرِك الواثق، في حركة أيديهم سرعة الدليل العارف،
لا يتلجلجون، ولا يهابون، ولا يترددون..
تذهب تتذكّر عبارة قديمة قد رسخت في ذاكرتك: « أولاد شارع «، لكن,
ما وراء خبايا هذه العبارة،..؟!
ما نوع المحتوى الذي تتضمّنه تفصيلاً..؟!
ما المبهج فيه، أو المحزن..؟!
هل ولد الشارع عبارة ثناء أم ذم،...!
وهل الشارع مدرسة ومحضن..؟!
أو هو براح طلق يتلقّى فيه ولده كل الذي، والذي، والذي ..!!
العربات المارقة ما تمنحه، الأقدام العابرة إلى أين تأخذه،؟!
الأصوات المحيطة ما الذي تُسمعه، الذي يؤكل فيه ويشرب ما الذي يتضمّنه،؟!
الأبواب حذو أرصفته إلى أين تأخذه، النوافذ المطلّة عليه ما الذي إليه تقذفه..؟!
هل كل الذي يتفاعل معه في الشارع هو منتهى خبرته، أو لا يزال يمنحه..؟!
هل ما يعلِّمه الشارعُ هو محك تلك اللمعة في عينيه، والوضوح في نبرته،
والثقة في حركته، والنباهة في منطقه..،؟!
أتحزن أنه خلاصة الشارع بخيره وشره،..؟!
أم تحمد للشارع أن آواه بانعطافاته، وغذَّاه بمدخراته،
ولم يبخل عليه بأنوار أعمدة ليله، وخريطة اتجاهات صباحه..؟
« أولاد الشارع» إنْ كانوا يعنون لك شيئاً،
وعلمت أنهم أبناؤك الذين نسيتهم، أو سهوت عنهم،
أو لم يكن لك فيهم إلاّ وقت زهيد كنت فيه معهم في بيتك، من ليل أو نهار..
فاذهب للشارع،
اجمع شملهم.. تعرّف إليهم أكثر، وأكثر..
اكتشف ما وراء ذكائهم، وحنكتهم، وسرعتهم، ومنطقهم..!!
ثم اغمسهم في ماء عنايتك ولعلك أن تبلغ..
ليتخلصوا من عوالقه.
لأنهم أبناؤك الذين اختطفهم منك ساعة غفلتك............!!!