محمد بن يحيى القحطاني
وأمام هذا الاحتقان الشعبي والسياسي والاقتصادي في المنطقة تنمو فكرة الإلغاء وركوب موجة التكفير، وتضخم كبير لمشروع القتل والعنف، واللغة الكارهة.
وبالعودة إلى الأسباب، فإن الخطاب (الموجه) سواء كان دينياً أو سياسياً، من الأسباب التي أوصلت الجمهور إلى هذا (الاصطفاف) في كل مراحل الحياة، ولعل المتابع البسيط يلحظ ذلك في حديث الشارع العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكافة توجهاتها.
ما الذي يعيدنا إلى الحالة الإنسانية؟.
أشياء كثيرة تعيد الإنسان إلى طبيعته البشرية، بحبه للحياة والسعادة، ورمي الخلافات (جانباً)، واستعادة بريق الابتسامة بعد أن حاولت أدوات (الكره) طمس معالمها بكثير من السوء والعبث والعنف.
الفن هو أسمى الأشياء التي أبدع الانسان فيها، وفي كثير من الحالات فإن الحروب لم تستطع ايقاف (عجلة) الفنون في القرون الماضية، وحتى في ذروة الحروب العالمية التي حصدت ملايين البشر.
وفي مقابل آلة القتل، كانت المسارح تضج بالجماهير، وكانت السينما تسير كما تشير لها بوصلة (السعادة) ولم تستطع الدبابات ولا الطائرات ولا الصواريخ العشوائية القاتلة، أن تؤثر في المشهد الفني الذي بقي صامداً ومقاوماً.
لا أتحدث عن الفن، لمجرد الفن، بل لأنه جزء لا يمكن فصله عن حضارات الشعوب، وخيط رئيس في نسجيها الحضاري، ففي دول العالم المتحضر يتم تكريم رواد الفن واستذكار إبداعاتهم في الموسيقى والغناء والمسرح ونحوها.
في الشرق الأوسط، يستطيع شخص (كاره) للحياة أن يوقف حفلاً غنائياً أو مسرحياً، أو معرضاً للفنون، أو إلغاء عرض سينمائي «هكذا ببساطة شديدة»، دونما سبب واضح ولا منطقي، سوى أنه انحاز للغرف المظلمة والسواد الحالك، ووعود بدخول النار والأذى.
وبينما كان التطرف والإرهاب وإلغاء الآخر جزءاً من الأزمة، فإن الفنون تأتي في مقدمة الحلول، فهي اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم، دون أن يعترضها حاجز اللغة والحدود، بل هي أحد أهم «أذرعة» الشعوب والأمم التي لا يمكن الاستغناء عنها.
في ظل اشتداد الحرب الأهلية اللبنانية كانت فيروز وصباح ووديع الصافي وغيرهم يغنون وكانت مسارح الرحابنة تستقبل روادها، وكأن البلد حينها لم يكن مقسماً إلى خطوط تماس، وكذلك الحال في مصر إبان حروبها مع إسرائيل، إذ لم ينكفىء أم كلثوم ولا عبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وغيرهم على أنفسهم، بل كانوا حينها يزدادون توهجاً على مسارحهم، كان الفن خيارا إنسانيا، بعيدا عن أصوات القنابل وأزيز الطائرات.
الفن هو الحل الوحيد والأغنية يجب أن تستعيد زمام الأمور، والمسرح واجب عليه أن ينتقل هنا وهناك، وإلا فإن الطرف الآخر يسعى جاهداً لطمس كل ما سبق حتى ينفرد وحده بالساحة ليفعل بها ما يشاء وكيفما شاء.