الحديث عن الواقع أمر لا بد منه، واحترام الذين قدموا للأغنية السعودية (عصارة) جهدهم ثم انتقلوا بموهبتهم للخليج والوطن العربي هو بحد ذاته خيار (إجباري) خاصة للذين عليهم قول الحقيقة في زمن التزييف.
منذ سنوات طويلة ونحن أمام حالة فنية كبيرة صالت وجالت بين حناجر الفنانين لتقدّم لنا ألحاناً بقيت وما زالت باقية إلى أجيال أخرى.
أتحدث عن الملحن (طلال) الذي أعتبره واحداً من أبرز الملحنين في مرحلة نهضة الأغنية السعودية، وأحد روادها الذين مالوا كثيراً ناحية الطرب والتطريب بعيداً عن الألحان الفسفورية.
لا أظن أن عاقلاً ينسى (هلا بالطيب الغالي) لفنان العرب الأستاذ محمد عبده، وذاك الألبوم الذي ما زال متوهجاً منذ منتصف الثمانينيات وحتى يومنا هذا، ولا أحد ينسى واحداً من أبرز أوبريتات الجنادرية الذي كان عنوانه (مولد أمة)، بل إن كثيراً من الزملاء الملحنين والنقاد يقولون إنه (ولد) عملاقاً، فلم يستطع أي من الأوبريتات الأخرى منازعته في الصدارة، بل إن هذا الأوبريت كان «شعلة» انساقت لها بقية الأوبريات منذ ذلك الحين، وحتى يومنا هذا.
طلال هو رجل مؤسساتي فأراد للأغنية أن يكون لها حضن وبيت ترتّب فيه نفسها، فكانت واحدة من أبرز شركات الإنتاج السعودية، وهو كان رائداً في الدويتوهات فكانت (شرارة) دويتو الفنانين، الراحلين طلال مداح وعتاب.
إلى هنا لم يتوقف الحال، بل كان (وما زال) رجلاً تنويرياً، إذ أعطى جهده لولادة برنامج (ليلة سعودية)، ولعل جيل تلك المرحلة ما زال يعيش ذكراها حتى اليوم.
أما إن تحدثت عن قائمة الفنانين والفنانات الذين كان لهم (شرف) الغناء من ألحانه فإنني سأضع نفسي في حرج القائمة الطويلة التي يسعدني ذكرها ويؤسفني عدم ذلك لطولها (الشديد).
ما يعجبني في (طلال) أنه صاحب نَفَسْ طويل في الألحان، ولياقته في صنع اللحن ما زالت تلك المتوهجة منذ مطلع الثمانينيات، وحقيقة كنت أتمنى أن يتم تكريم طلال من هنا أولاً، ثم ننتقل إلى القاهرة، حيث كان نهاية ديسمبر الماضي في دار الأوبرا المصرية.
وخلال السنوات الماضية (عاد) طلال بشهيته أكثر للأغنية من الماء إلى الماء، والجميع كان «وما زال» في حالة انشغال (تام) وورش عمل توزعت في وقت واحد بالعديد من العواصم، ما بين جلسات عمل ومشاورات وتركيب صوت، وتنفيذ ومكساج وتصوير كليبات ومونتاج.
نحن أمام شخصية جعلت من نفسها حالة (مثيرة) ومثل هذه الحالات نستطيع القول مرة أخرى، إنها تجلت في نهضة الأغنية السعودية، ومن ينكر ذلك فهو مجاف للحقيقة.