على نحو لافت يحاول الجمهور فرض رأيهم على بعض الزملاء الإعلاميين والنقاد، وإلزامهم بالسير خلف موجة بعض الأسماء «التافهة» صوتياً وتصديرهم للجميع على أنهم أصوات تستحق الفوز بالمراكز الأولى، فيما وقع البعض في هذا الفخ «المراهق» بعلمه أو دون ذلك. هذا لا يصح، فالصحافي والناقد الحقيقي لا يخشى ردة فعل جمهور «مراهق» ينجرف خلف «كاريزما» معينة، ليجعلها يقيناً وحقيقة لا يجب التشكيك بها، بل وظيفته تنوير الرأي العام وتصويب الخطأ ودعم من يستحق. ومع تنامي ظاهرة انقلاب المفاهيم، تجد بعض الزملاء «لا شعورياً» يذهبون مع إرضاء الجمهور على حساب ذائقتهم، وكثيراً ما اعترف لي بعضهم أنّ هذا التحول جاء نتيجة للرغبة في إرضاء الجمهور وعدم الرغبة في التصادم معهم.
هذا الفعل قد ينجح معهم في الفترة الحالية القصيرة، لكنه «حتماً» سيكون وبالاً عليهم مع أول اختبار «حقيقي» لهذه الأصوات بعد أن ينفضّ السَّامر، وتبدأ مرحلة اللعب «وحيداً».
برأيي أنّ ما يحدث اليوم هو جزء من مسرحية «انحطاط الأغنية» والمجاملة قد لا تنفع إلاّ في حدود ضيقة كنشر خبر أو لقاء، لكن إعطاء رأي مخالف للقناعة، فهذا غش لا يجوز.
أريد للجميع النجاح، وأتمنى لهم التوفيق، لكنني لا أرضى لنفسي أن أمتدح من لا يقنعني خوفاً من هذا ومجاملة لذاك، وحتى لا تمتلئ الساحة بأنصاف الأصوات وأرباعها وأجزاء ضئيلة منها، فيختلط حابل الطرب بنابله. إننا أمام انحدار «متسارع» للأغنية، وحذّرت منه سابقاً، لكن هذا الانحدار لن يصمد طويلاً، أمام صحوة المارد النائم الذي فضَّل الصمت متفرجاً على هذه الحالة «المائجة» من العبث الفضائي، وفرض التعيس على الأذن العربية التي لم تَعُد تعرف مكمن الخطأ.
في هذا الوقت بالذات، لا يمكن الاعتماد على رغبة الجمهور واندفاعهم، خاصة فيما يتعلق ببرامج المسابقات، لأنّ العاطفة وعوامل أخرى تتدخل «مباشرة» في رؤيتهم للمتسابق بعيداً عن التقييم الفني الحقيقي، وهذا «فخ» انجرف خلفه بعض الزملاء للأسف.
إنّ السَّاحة الغنائية سواء المحلية أو العربية ستعمل على تصحيح وضعها «تلقائياً» وستبدأ في تصفية الشوائب منها مثلما حدث سابقاً، لكننا لم نكن في حاجة لإدخال هذه «الرواسب» بيننا «عنوة». أمثلة كثيرة دخلت الساحة وحاول الجمهور «فرضها»، ما لبثت أن ركنت نفسها في زاوية «ضيقة»، ثم تلاشى حضورها شيئاً فشيئاً، حتى نسيها هذا الجمهور الذي اكتمل «نضجه».