د. خالد محمد باطرفي
المعلومة.. سلاح! لكي تكسب الجولة مع خصومك فعليك أن تعرف عنهم أكثر مما يعرفونه عنك.
في البلدان المتقدمة تقوم مراكز المعلومات الأكاديمية والحكومية والخاصة بدور حاسم في صناعة القرار. ولذلك ففي أمريكا وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية تفوق المراكز البحثية (حسب نسبة السكان) نسبة المطاعم والمقاهي لكل مواطن عربي!
ولماذا نذهب بعيداً، ففي إسرائيل وإيران وتركيا المئات من مراكز البحوث والأقسام والكراسي الجامعية والقنوات الفضائية ودور النشر المتخصصة في اللغة العربية والشأن العربي، فيما تفتقد بلداننا لاهتمام مماثل.
كيف يمكن أن نفهم الآخر في محيطنا الأقليمي، لنتعلم من تجاربه، ونتعرف على إستراتيجياته وخططه ونواياه الحاضرة والمستقبلية إذا كنا لا نتابعه وندرسه، وكيف سنفوز في أي سباق معه إذا كان يعلم عنا كل شيء ونعيش في ظلمة جهلنا به؟
عندما طرحت مشروع مركز للدراسات الإيرانية توقعت حماساً ودعماً فورياً. فالحاجة واضحة والمنطق أوضح. إيران تدرس العربية للأطفال، وقضايانا تطرح وتناقش على جميع المستويات والمواقع الأكاديمية والدينية والسياسية والإعلامية والثقافية والفكرية. جامعاتهم وسفاراتهم واستخباراتهم وحتى مؤسساتهم العسكرية تعمل على جمع المعلومات العامة والخاصة عنا.
يدرسون تكويناتنا العرقية والاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، ويهتمون بخلافاتنا واختلافاتنا، ليسهل عليهم استغلالها عن طريق التسلل والاستقطاب والتأثير. يشعلون الفتن ويكسبون الأتباع ويمدون النفوذ، لتحقيق أهدافهم التوسعية في البلدان العربية. لكي نواجه هذا المشروع الماكر، لا يمكن أن نكتفي بالعمل الاستخباري والمعلومات العامة المتاحة فحسب، بل علينا أن نوظف العقل الجمعي للأمة ليتولى هذه المهمة الكبرى. عندما أعلن الرئيس جون كيندي عام 1962م عن إستراتيجية الولايات المتحدة لكسب السباق العلمي مع الاتحاد السوفيتي والذي شكل الفضاء أبرز ميادينه، وضع مشروعاً بحثياً ضخماً شمل جميع المؤسسات الأكاديمية والعلمية والفكرية في البلاد، وربط جميع المكتبات الجامعية والعامة مع أكبر مكتبات العالم، مكتبة الكونجرس، ومع كل الباحثين والعلماء والطلاب.
وعندما تحقق الهدف المنشود بإيصال أول إنسان لسطح القمر، وهزيمة الاتحاد السوفيتي في سباق الفضاء والعلوم، كانت أمريكا قد حققت الفوز بأكبر الجوائز: إنشاء أعظم آلة للبحث العلمي في العالم.
ما زال مشروع مركز الدراسات الإيرانية يراوح مكانه، وما زال الدعم المنشود من الجهات الحكومية والأكاديمية رهن الانتظار، وما زالت الأنظمة التي تقنن هذه المراكز لم تنشأ بعد. ولا زلت أدعو الله أن يلهمنا الاهتمام بالشأن البحثي والاقتناع بأنه وقود المركبة التي ستنقلنا إلى العالم الأول.