د. خالد محمد باطرفي
يعيب العقل العربي التناسي فيما يستوجب التذكر، والاستذكار فيما يستوجب النسيان. وحالة حزب الله مثال حي على هذا الخلط في ذاكرة الأمة.
عندما رفع الحزب شعار المقاومة لإسرائيل وحقق بعض الانتصارات على الأرض دفعت إسرائيل إلى الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000، صفقنا له واحتفلنا بما حققه، ولم نتذكر خطفه للطائرات والرهائن واعتداءه على السفارات واللاجئين الفلسطينيين في بداية الثمانينات وخلال الحرب الأهلية، وتعاونه في التسعينات مع القاعدة في ضرب المصالح الأمريكية وتفجير السفارات والمجمعات السكنية كما في الخبر (1996م).
ولما وقف في وجه آلة الجيش الإسرائيلي المدمرة في 2005م نسينا انه من استثار العدوان على لبنان كله بقتله وخطفه لجنود إسرائيليين. كما كدنا ننسى انه اغتال رئيس الوزراء رفيق الحريري (2006م) وقبله وبعده كل من انتقد أو واجه الهيمنة والغطرسة السورية - الإيرانية على بلده.
ولكن سرعان ما نفدت كبسولات النسيان عندما تحولت قوات المقاومة من الجنوب (2008م) مرتدية القمصان السود لتحتل العاصمة بيروت وجبل الدروز إخمادا لحراك المقاومة الوطنية، وإرهابا لرافضي التغول الفارسي على عروبة لبنان وترويعا لكل من تسول له نفسه في الحكومة صد أو رد تحكم الحزب على مفاصل الدولة وتجسسه على مواقعها الحساسة كمطار رفيق الحريري الدولي وشبكة الاتصالات.
حينها وبعدها استعدنا الذاكرة المغيبة، وساعدنا الحزب باستكباره وتجبره وتعطيله للحكومة وإخضاعها لإرادته. فلا رئيس دولة ولا حكومة، ولا قائد جيش ولا وزارة ولا برلمان إلا بشروطه. وزاد الطغيان حتى بلغ تهديد رئيس وزارة سابق «سعد الحريري» بالقتل ان عاد إلى بلده، ونفي إعلامي شيعي «نديم قطيش» من الإقامة في موطنه، وحرمانه حتى من حضور عزاء والدته في بلدته بالجنوب. وتهديده بالتصفية بعد كل برنامج ينتقد فيه «السيد» و»الحزب».
السلاح الإيراني لم ينقطع عن الحزب العميل الذي يعلن أمينه العام بكل بجاحة أنه لا يؤمن بوجود دولة لبنان أو حتى جمهورية إسلامية مستقلة، بل ان تكون جزءا من دولة للولي الفقيه الذي يمثل الإمام الغائب، الخميني، ثم الخامئني.
والمساعدات التي تتغنى بها إيران لم تصل الحكومة اللبنانية ولا للشعب اللبناني وإنما وجهت للحزب واتباعه حصريا.
وحسب تقرير قناة «روسيا اليوم» الحكومية المنشور في موقع القناة التابعة لدولة حليفة لإيران، فلم تقدم حكومة الملالي لحكومة لبنان إلا الوعود مقابل 70 مليار دولار قدمتها المملكة منذ عام 1980م. وهذا لا يشمل الاستثمارات الخاصة وتحويلات المغتربين في السعودية التي بلغت 4 مليارات دولار من 350 ألف مقيم. وصادرات لبنان الزراعية والصناعية والتي تمثل 75 في المئة و50 في المئة (بالترتيب) من إجمالي إنتاجها، حسب إحصاءات غرفة التجارة والصناعة، ببيروت.
وفي المقابل فإنَّ الصادرات اللبنانية إلى إيران واستثماراتها وتحويلات المغتربين فيها صفر على الشمال. والعكس صحيح، فخُمس دخل كل اتباع الحزب الطائفي تذهب للحوزات الدينية في إيران، التي جعلت كنوزها من علي خامئني، حسب مجلة فوربس، أغنى رجال العالم، بثروة بلغت 90 مليار دولار، ومن رجال الدين في إيران مليارديرات تدير شبكات أعمال ضخمة تسيطر على مفاصل الاقتصاد الإيراني وتنهب مقدرات شعبه.
وحسب تقارير دولية فإنَّ إيران تقدم للحزب متوسط 200 مليون دولار سنوياً مساعدات عسكرية، وتساهم بتدريب الآلاف من كوادره على حرب العصابات. ونظرًا لتجميد أعمال المقاومة في جنوب لبنان، فقد انتقلت القوات «السوداء» بنيرانها رسميا إلى سوريا لتشارك مع قوات الحرس الثوري والمليشيات الشيعية آلة القتل الحكومية في قتل وتجويع وتهجير السنة وضمان عدم عودتهم بتهديم مناطق سكناهم ومزارعهم ومصانعهم ووسائل عيشهم.
ويشارك الحزب علنا في العراق مع الحشد الشيعي الذي يمارس التقتيل والتهجير نفسه في المناطق السنية. أما سرا فمرتزقته يدربون الإرهابيين والانتحاريين وعملاء الولي الفقيه في اليمن والسعودية والبحرين والكويت، كما كشفت الجهات الأمنية في هذه الدول، بدعم مباشر من الحرس الثوري والاستخبارات الإيرانية، وما خفي كان اعظم.
ولتمويل هذه المشروعات الإرهابية الواسعة يدير الحزب أكبر شبكة لزراعة وتصنيع وترويج المخدرات في منطقة الشرق الأوسط حسب مصادر فرنسية وأمريكية والاتحاد الأوروبي الذي كشف مؤخرا شبكة مخدرات أوروبية يديرها أعضاء بارزون في الحزب. إضافة إلى شبكة غسيل أموال تم كشف وإيقاف العديد من شركاتها وأفرادها في أوروبا والشرق الأوسط ودول الخليج.
نحن إذن أمام مافيا إرهاب وغسيل أموال وتجارة سلاح وإرهاب وترويع وارتزاق حروب بامتياز. علاوة على ما ارتكبته من جرائم حرب وتطهير عرقي في سوريا والعراق. وما تم كشفه والتحفظ عليه وتوثيقه يكفي ليكون ملف قضية ترفع للمحاكم الدولية والأممية ولمجلس الأمن تجرم هذا الحزب ومن يدعمه في إيران وتضع قياداته جميعها وليس من تم كشفهم فقط على قوائم الإرهابيين والمطلوبين للعدالة الدولية.
والأمل ان تتحد جهود المتضررين من إرهاب الحزب وأسياده في اللجوء للقضاء الدولي والعمل على تجفيف منابع التمويل وتقييد حركتهم وتبادل المعلومات الأمنية حول أنشطتهم ومواجهة إرهابييهم في كل مكان بالقتل والإبادة. وأن لا نتهاون ولا نسامح. فكما قال الشهيد فيصل: سامح ثم سامح ثم سامح، فإذا غضبت فلا ترضى!