ناصر الصِرامي
الكشف الإعلامي عن ما يدور من عمل مكثف وحثيث في الغرف المغلقة بالمملكة العربية السعودية، سيعطينا صورة عن حجم الجهد وإعادة الترتيب الكبرى لهيكلية الاقتصاد والأطروحات التنموية في البلاد.
ما يتوفر من معلومات متفرقة تصل بشكل شخصي، أو حتى عبر الجهد الإعلامي المتواضع في الداخل، تضطرنا لممارسة أسلوب قديم في تركيب الصور، نفس أسلوب لعبة الأطفال الشهيرة، معلومة من هنا ورأي من هناك، وتسريب من مصدر قريب، ومعلومة منثورة بشكل شبه مهمل، وأمنيات وتمنيات أيضاً..!
أحياناً نسمع من وسيلة إعلام أجنبية عن بعض الإشارات، أو من كاتب غربي استطاع الوصول إلى مصدر، أو قدمت له فرصة للقاء مسئول، لنبدأ مجدداً في الترجمة وإعادة الصياغة للوصول إلى فهم الصورة الكبرى، عن برامج التحول الوطني مثلاً.؟، أو إعادة الهيكلة للاقتصاد السعودي التي كلف بها الملك سلمان بن عبد العزيز، المجلس الاقتصادي والتنموي في البلاد برئاسة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
ندرك تماماً أن هناك عملاً كبيراً يتم الآن، وجهداً لا يتوقف لرسم وتحديد السياسيات الاقتصادية والتنموية في البلاد، وفي مقدمة ذلك خفض الاعتماد على النفط، أهم سلعة أسهمت في تنمية البلاد.
لكن ذلك أيضا لا يكفى فالمعلومات محدودة جداً، ولا تشكل حتى 5% من حقيقة ما يصاغ ويتم بالفعل. يخبرني مصدر مهم أن ما يعمل عليه لو قدم للإعلام بشكل جيد في الداخل أولاً، وخارجياً لساهم في خلق روح إيجابية تتماشى مع المرحلة ومع «السعودية الجديدة»،.. كما يحدث الآن .جهد إعلامي أقل بكثير من المرحلة.
الأحد الماضي نشرت صحيفتنا الجزيرة ترجمة جزئية لمقال، الباحث والإعلامي الألماني الدكتور راينر هيرمان حول بعض ملامح السياسة السعودية الجديدة، تحت عنون «السعودية مرفأ طمأنينة في منطقة غارقة في الفوضى»، مؤكداً أن السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي ما زالت محتفظة بقوّتها وثقلها في المنطقة، في حين تلاشت قوى الدول الرائدة سابقاً، حيث سوريا غارقة بحرب أهلية والعراق يتفتت، ومصر مشغولة بالمحافظة على التوازن الداخلي.
موضحاً أنّ السعودية أخذت بزمام القيادة في المنطقة ودعم استقرار دوله، عندما شعرت بانسحاب الولايات المتحدة من عملية تعزيز الاستقرار في المنطقة.
يعنينى في المقال بشكل أكثر ما ألمح إليه الكاتب: « إن قيادة المملكة كما عملت خارجياً على الحفاظ على استقرار المنطقة، بذلت جهوداً بشكل متواز داخل المملكة، وذلك بعملية تحول شاملة الغرض منها أن تنعكس نتائجها إيجابياً على المجتمع، إذ يقود الآن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد، مجموعة من الخبراء تعمل على صنع أكبر برنامج تطوير اقتصادي في الشرق الأوسط، ويشكل مركز الثقل في ذلك تعزيز القطاع الخاص وطرح أسهم شركات تابعة للدولة للاكتتاب العام، كما ينتظر أن يتيح هذا الازدهار توليد 250 ألف وظيفة سنوياً للشباب السعوديين بالقطاع الخاص».
المقال ختمه الكاتب مما نشرت الجزيرة : « بأنّ الرؤى التي تنتهجها المملكة لن تقتصر على تحديث الاقتصاد وحسب، بل ستكون دعائم لمزيد من التقدم الاجتماعي والسياسي».
هذا الجانب تحديداً، الجانب الاقتصادي والتنموي الذي تدار فيه ورش عمل لا تتوقف، وتحضيرات وحوارات ونقاشات وتطوير في الجهاز الحكومي التنفيذي للدولة، وإعادة صياغة الأهداف، وتقيم الأداء والنتائج، هذا الجانب رغم ما يتسرب منه للإعلام في الداخل والخارج - وهو قليل جداً جداً، ولا يرتقي بصراحة لمستوى ما يتم العمل عليه.. هذا التقصير الإعلامي يجعلنا نتساءل .. أين الخلل...؟!