حمّاد السالمي
«ما يجري على التراب الوطني اللبناني هذه الأيام؛ يوحي بأن هذا البلد العربي المختطف من (حزب اللات) -ذراع إيران في خاصرته الجنوبية- كان بحاجة إلى صدمة حازمة لكي يفوق من غفوته التي طالت، وأن يعود إليه وعيه الذي فقده وأفقده توازنه في المنطقة.
«جاء القرار السعودي الشجاع ضد السياسة اللبنانية المرتهنة لنصر اللات وحزبه الإرهابي؛ وليس ضد شعب لبنان العربي المغلوب على أمره.. جاء هذا القرار منقذًا لما تبقى للبنان من عروبة وكرامة وقوة تستطيع أن تعيد الأمور إلى نصابها، بعد الوهن والضعف الذي وصل بدولة عربية إلى أن تكون بدون رأس ولا هيبة لسنتين، فالمملكة العربية السعودية التي أعلنت مراجعة مواقفها من هذا البلد؛ وأوقفت دعمها لجيشه وقوات أمنه، تعرب عن رفضها التام لمسار العمل السياسي في بلد عربي وقف في جامعة الدول العربية وفي محافل العرب الأخرى؛ وكأنه جزء من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كشفت عن وجهها العدائي ضد العرب كافة، وليس ضد المملكة العربية السعودية وحدها، فنظام الملالي الإيراني لم يحرق سفارة المملكة في طهران فقط، ولم يتدخل في شؤونها الداخلية فقط، ولكنه تدخل في العراق، وتدخل في سوريا، وتدخل في اليمن، وتدخل في البحرين، وتدخل منذ زمن وما زال يتدخل في لبنان ذاتها، فأفسد عليها حياتها الاجتماعية والدينية والسياسية.
«فعلت المملكة العربية السعودية هذا بعد صبر مرير، وبعد أن أعياها الوضع اللبناني، الذي حرصت منذ عقود وما زالت، على صيانة سيادته، وحماية حقوقه، والتخفيف عن شعبه، وتقوية جيشه وأمنه، فلم تحصد إلا الخيانة والغدر ونكران الجميل على مختلف الأصعدة. لقد طفح الكيل، وظهر أن لا فائدة من الصبر، فكان ما كان، ولسان حالها يقول مع الشاعر العربي لا الفارسي:
ولو فَقِهَ الحقوق لكان دومًا
على بابي يوقِّرها أتاني
فذا النعل أشرف من سفيهٍ
وأقسم بالمجيد وقد براني
لبنان أكثر الدول العربية تضررًا من إيران وملالي إيران، فالحكم اللبناني الخاضع للدستور منذ الاستقلال، يجعل رأس الدولة من المسيحيين، ورئيس الوزراء من المسلمين السنة، وتتوزع الحقائب السياسية بعد ذلك بين كافة المكونات السياسية الحزبية، وكانت لبنان فيما قبل نصر اللات وحزبه؛ جنة العرب، وملاذ الأحرار منهم، وملتقى ساستهم وقادتهم ومفكريهم وأدبائهم ومثقفيهم، وكانت بيروت باريس العرب، منها تشع أنوار العلم والفكر على المشرق، إلى ما قبل الاحتراب الذي طال وانتهى باتفاق الطائف الشهير، ونشأ الاحتراب بهدف خلخلة التركيبة الدينية والاجتماعية والسياسية أيضًا لصالح منظمات مثل أمل ثم حزب الله من بعده، وما تعرض له لبنان في السنتين الأخيرتين من تعطيل للدستور وانتخاب رئيس للجمهورية؛ يأتي في سياق رغبة إيران وسعيها إلى أن يأخذ حزب الله والشيعة مكان رئاسة الوزراء في الحكومات القادمة على حساب السنة، ونتيجة للتوغل الإيراني والتغول الحزبي في المجتمع اللبناني، وباستخدام المال والإرهاب كذلك، صارت كلمة نصر اللات وحزبه هي العليا في الجمهورية اللبنانية، فتحولت جنة العرب إلى جنة الفرس، واستحالت الضاحية الجنوبية إلى قم ثانية على الخارطة العربية، فيها تحاك الدسائس والمؤامرات، ومنها تنطلق العمليات الإرهابية ضد لبنان وسورية والسعودية وبقية دول الخليج، ومن خلالها ترتفع أصوات السب والشتم المقذع ضد المملكة العربية السعودية وقيادتها وشعبها، وينسى نصر اللات أو يتناسى، أن المباني التي يسكنها والتي تنطلق منها قنواته وتسجيلاته، هي من أموال المملكة العربية السعودية، التي رعت ضاحيته المنكوبة ودعمتها؛ تمامًا مثل ما رعت ودعمت بيروت وطرابلس والجبل، وكل أرض لبنانية عرفت أموال المملكة العربية السعودية، واستفادت من شعبها مقيمين فيها ومستثمرين وسياحًا طيلة العقود الفارطة.
«نتابع اليوم من بيروت؛ ردود فعل قوية تمثل الكتل العربية الحرة، ونظن -وبعض الظن ليس بإثم- أنها صادقة، وأنها سوف تحطم القيود التي كبّل نصر اللات بها الشعب اللبناني، وأننا سوف نرى لبنان الجديد؛ عربيًا حرًا بقيادة عربية حرة أصيلة، وأن لبنان الذي كان قبل نصر اللات وحزب اللات، سوف يعود لحاضنته العربية.
«إن الجرح الذي نشعر أنه أصاب اللبنانيين الأحرار، هو ذاته الذي أصابنا نحن العرب منذ سنوات خلت، فلبنان الأدب والفن والشعر والجمال، يجب أن يعود كما كان، لنقرأ من جديد أشعار إيليا أبي ماضي، وجبران خليل جبران، ونسمع أغاني فيروز وصباح ووديع الصافي، ونتنقل بين بيروت والجبل والشط، ونرى في محافلنا العربية؛ دولة عربية لها كلمتها ولها قيمتها، وليس مناديب وممثلين لحسن نصر اللات، ينطقون باسمه عن لبنان الصغير مساحة والكبير تاريخًا ومكانة في نفوس أبناء العروبة.
«الشاعر الكبير جبران خليل جبران؛ صرخ ذات أزمة نفسية من بلده لبنان؛ فهل ينهض من قبره ليرى رأي العين ما آلت إليه لبنان من بعده..؟!
« ماذا قال جبران خليل جبران..؟
في ظلام الليل أناديكم هل تسمعون؟
مات أهلي وعيونهم محدقة في سواد السماء
في ظلام الليل أناديكم هل تسمعون..؟
مات أهلي وغمرت تلال بلادي الدموع والدماء
الويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقل فيها الدين...
الويل لها
الويل لأمة مقسمة، وكل ينادي أنا أمّة...
الويل لها..
يا بني أمي.. الحق الحق أقول لكم:
وطني يأبى السلاسل..
وطني أرض السنابل
وطني الفلاحون..
وطني الكرّامون
وطني البناؤون والغار والزيتون
وطني هو الإنسان..
وطني لبنان.
هذا هو لبنان الذي كان، يوم كان: عربي الهوى والهواء، لغته عربية، وشعره عربي، وغنائياته الرحبانية والفيروزية، أصبوحة الطلاب والفلاحين في ربوع الوطن العربي كله.