حمّاد السالمي
* من الواضح أنّ النهج السياسي الحاكم الذي رسخه الخميني في إيران منذ سبع وثلاثين سنة؛ والذي يقوم على خلق أعداء مفترضين للثورة والدولة في الداخل والخارج.. هذا النهج الشاذ في قيادة الدول؛ هو السائد حتى اليوم في طريقة الحكم في طهران.
إن استمرار تركيبة الملالي المعممين في إدارة الدولة الإيرانية، مرهون بإشغال القوميات العديدة المكونة للشعب الإيراني بأحلام التوسع والهيمنة من جهة، وبفزاعة العدو الخارجي المتربص بالثورة الخمينية، والمتحفز للقفز عليها وتقويضها في أي وقت. من أجل هذا؛ دخلت إيران في خلافات وصراعات مع دول الجوار العربي، ومع دول الغرب والأمم المتحدة. الجميع عارض خططها في امتلاك السلاح النووي، ولهذا فرضت عليها عقوبات دولية طالت رءوس الأموال والشركات وحتى شخصيات اعتبارية، وعانت طهران من عزلة تامة طيلة عقد ونيف من السنين، وعانى الشعب الإيراني تبعًا لذلك من آثار هذه العقوبات، وهو الذي يعيش حتى اليوم في عزلة شبه تامة عن محيطه والعالم، بسبب الحظر المعلوماتي الذي يفرضه الملالي على 70 مليون إنسان في هذا البلد، فوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية محظورة إلا ما تراه الحكومة، بما فيها وسائط التواصل الاجتماعي والإنترنت، وهذه واحدة من الحقائق المرة التي تخفيها الدبلوماسية الإيرانية الناعمة الموجهة للخارج.
* بعد جهد كبير ومفاوضات شاقة، توصلت إيران إلى اتفاق نهائي مع المفاوضين (5+1) حول برنامجها النووي، ثم سرعان ما تحركت لتبشر الشعب الجائع بنصر مؤزر..! وتصور للداخل والخارج أنها خرجت منتصرة من هذه المفاوضات، في حين أن ما حدث هو اتفاق مُذلّ لإيران؛ التي صرفت من خزينتها مئات المليارات لبناء عدد من المفاعلات النووية، وتخصيب اليورانيوم، بهدف إيجاد صناعة أسلحة نووية تستخدمها بكل تأكيد ضد جيرانها العرب والمسلمين، وليس ضد إسرائيل أو (الشيطان الأكبر) أميركا..!
* بتظرّف مبالغ فيه؛ يسعى وزير خارجية إيران (محمد جواد ظريف)، إلى التبسم والضحك والقهقهة، وإطلاق التصريحات المغلوطة لتصوير الاتفاق على أنه مكسب كبير يتحقق..! والواقع أن الشروط التي ترتبت على الاتفاق، هي في غاية السوء، وفيها إذلال كبير لإيران وشعب إيران، بل هو السم الذي تتجرعه إدارة الخامنئي وروحاني بعد السم الذي تجرعه الخميني من قبل، فإيران منذ اليوم، هي تحت الرقابة الدولية الدورية. بل هي بعبارة أوضح وأصرح؛ تحت (الوصاية الدولية)..!
* مفتشو وكالة الطاقة الدولية يعملون ليل نهار على الرقابة الدقيقة لما يجري داخل إيران. الرقابة تطورت مع التقدم العلمي، فوجود نملة تتحرك تحت صخرة في طهران، هو أمر مكشوف لهؤلاء المفتشين الذين يملكون حق الدخول والخروج إلى طهران ومنها في الوقت الذي يشاءون، وإذا أخلت إيران بقليل أو كثير من شروط الاتفاق، فسلاح الحظر العقابي جاهز ومسلط على رقبة (ظريف)، وعلى رقاب كافة المتحكمين في مصير الشعب الإيراني ومن يديرون دفة الحكم في هذا البلد.
* ما تم من الإفراج عن أرصدة مالية إيرانية في بنوك غربية؛ ورفع الحظر عن التعاملات التجارية وخلافها، لا يساوي هذه المذلّة التي دخلت فيها إيران مع المجتمع الدولي، فيكفي دولة في العالم، أن تخضع لوصاية ورقابة تمس أدق أسرارها العسكرية والعلمية، وتحد منها، وتوقفها، وتتحكم في شأنها، وهذا بالضبط ما هي عليه إيران من اليوم فصاعدًا.
* على المستوى الداخلي، لم يعد هناك بعد اليوم فزاعة تستقوي بها حكومة طهران على الشعب الذي جاع وضاع وضحى بحرياته أكثر من ثلاثة عقود. الأعين سوف تتسع في انتظار ما سوف تفعله الحكومة لتوفير الغذاء والدواء والحريات الشخصية المفقودة بسبب العداء (المفترض) مع أميركا ودول الغرب. ولو أن إيران لن تتخلى عن هذه الفزاعة، فهي تحل دول الجوار العربي محل الدول البعيدة، والهدف هو هو في إشغال الإيرانيين بالخلافات الخارجية، لتفادي نشوء خلافات داخلية تثيرها عرقيات وقوميات إيرانية لها مظلوميات تاريخية مع القيادات المتعاقبة على الحكم، فأهل عربستان لهم مطالبهم، ومثلهم الأكراد والبلوشيون والأذربيجانيون. الكل عانى ويعاني من القهر والظلم، والكأس التي ظلت إيران تسقيها لجوارها العربي، سوف تشرب منها عن قريب. إن التدخلات الإيرانية الفاضحة في الشئون العربية، سوف تنعكس عليها في المستقبل، فخنوع بعض الحكام الخونة والقيادات العربية الحزبية لطهران، لن يظل إلى الأبد، ورقعة الوعي العربي بنوايا إيران وأطماعها الخبيثة، أخذت تتسع، وهذا هو ما بدأ يظهر بشكل جلي لدى القوميات العربية والكردية والبلوشية داخل إيران. أنا هنا أتساءل عن الدور الإعلامي والاستخباراتي العربي الموجّه للداخل الإيراني..؟ متى ينطلق ويتحرك..؟
* إذا كانت إيران توجه حربها ضدنا نحن العرب بشتى الوسائل، ومنها ما هو إعلامي واستخباراتي وحتى عسكري؛ فلماذا لا نستخدم السلاح نفسه.. سلاح الإعلام والاستخبارات تحديدًا، لدعم القوميات العربية والكردية والبلوشية المطالبة بحقوقها في الأرض والحياة الحرة الكريمة..؟
* لإيران خاصية في الفوضى والإرباك وخلق المشكلات على المستويين الداخلي والخارجي، فهي الدولة الوحيدة التي تهاجم السفارات في عاصمتها وتحرقها، وتحتجز رهائن، وتدعم جماعات وأحزاب إرهابية، وتتدخل بشكل سافر في الشأن العربي، وهذه خاصية لن تتخلى عنها، ومشاكلها سوف تظل قائمة حتى بعد أن ركّعها المجتمع الدولي، وليس هناك حل مع هكذا جار خطر؛ إلا العمل من داخله هو. الداخل الإيراني ليس استثناءً، ومن السهل اختراق هذا الداخل من الجوار العربي المتضرر من إيران وسياستها العدوانية ضده.