حمّاد السالمي
* ما قيمة الحياة بدون أخلاق؛ ترسم مسارها، وتضبط إيقاعها، وتُجمِّل ظاهرها، وتعطر باطنها..؟ أخلاقنا هي أرواحنا التي بها نحيا ونموت.
* روح الإنسان؛ هي حياته التي يكون بها قوامه قبل مماته، وهي المجال المتاح ليظهر من خلالها حسناته،
ويمحو سيئاته، ويقبح شهواته، هذا وإلا: فلا قيمة لها ولا وزن. ومدار هذا كله عند المسلمين، هو ما حدده الشارع الكريم، من أخلاق إنسانية سامية، تمثلها مبادئ وقواعد منظمة للسلوك الإنساني، وموجهة لحياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم، حتى أن الله عز وجلّ، جسّد هذه الصورة الأخلاقية السامية في رسوله الأعظم، الذي هو مثل وقدوة لخلق الله كافة فقال: ( وإنك لعلى خلق عظيم ).
* نحن في هذه البلاد على الأخص، نتشرب هذه المبادئ والمثل والقيم اجتماعيًا وثقافيًا في مجتمع مسلم محافظ، ونتعلم كل هذا في مدارسنا وفي مساجدنا وكتبنا وإعلامنا، ومع ذلك نسقط عند أبسط تجربة تمس أخلاقياتنا ومثلنا التي ننادي بها، وتشكل مدار العمل الدعوي والوعظي اليومي بيننا، ونردد صبح مساء:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
* نتناصح بيننا بحسن الخلق، ثم لا يتعدى هذا إطار ما بيننا من كلام. نتحدث عن الإخاء والأخوة، ثم نتلاعن على رؤوس الأشهاد إذا اختلفنا في وجهات النظر. نتحدث عن الود بيننا، وأن الاختلاف لا يفسد للود قضية، ثم ننسف كل قضية لهذا الود؛ إذا ما احتدم النقاش بيننا في مسألة من المسائل..!
* تعج حساباتنا على كافة الوسائط الإلكترونية، بالمقذع من الكلام؛ الذي كله شتم وسب وتصنيف وتمييز وطعن، حتى يصل الأمر إلى الاتهام على الدين والملة..؟! هذا ونحن نعرف جيدًا أن هذا كله ليس من أخلاق الإسلام الذي نتمثله بطبيعة الحال، ولا حتى من قيم المجتمع وآدابه، فما شكل الأرواح التي تتلبسنا ونحن نختلف، ثم.. وبسبب هذا الخلاف؛ نتخاصم ونتشاجر، ويبتعد بعضنا عن بعضه الآخر..؟!
* كلنا عشنا بعض مجريات الاحتكاكات التي وقعت بين رجال من الهيئة الميدانيين وفتاة في سوق النخيل، واقتحام لمنزل وخلافه، قبل أيام فارطة، وهذا مثال بسيط يختزل حالة الاحتقان التي تدفع الكثير من الناس إلى التعاطي مع مثل هذه الحوادث بحساسية مفرطة، بعيدًا عن روح القانون والأنظمة التي - يُفترض- أن تعمل هذه الجهة أو تلك بموجبها، والتي تنص في الأصل على حقوق المواطنين، وتهدف لحفظ حق طرفي النزاع في أي قضية كانت.
* الكثير من المتعاطين مع هذه القضايا عبر وسائط ووسائل إعلامية، متسرعين ومندفعين لتبني وجهة نظر طرف دون آخر، ويتحول النقاش بين الطرفين إلى حرب ضروس تكرس الانقسام والتحزب، حتى تجد أنك وأنت تتابع ما يُنشر ويبث من كلام مكتوب ومقاطع مصورة؛ إنك أمام كتائب مدربة ومجهزة، شغلها الشاغل التشفي من الخصوم، ونشر فضائحهم، واستعراض مقدرة لغوية عجيبة في استخدام مفردات شتم وسب ولعن غير مسبوقة، ولو افترضنا أن هذا الفريق المتشفي اللاعن؛ خرج من خلف أجهزته الكفية، وقابل الفريق الآخر الساب والشاتم؛ فإن الدماء المثقلة بالكراهية وروح الفرقة من الطرفين، سوف تسيل في عرصة اللقاء المشئوم لا محالة..!
* مَن ظلم مَن في مواجهة بين رجال هيئة ومواطنين في سوق، أو جهة خدمية مع مستفيدين منها..؟ ومن تجاوز حدوده، واستغل موقعه الرسمي وخلافه؛ هذا أمر يفصل فيه الادعاء العام، وتقرر عقوبته المحاكم، والجهات التنفيذية هي التي تضرب على أيدي المعتدين، وتأخذ حق المظلومين من الظالمين، وليس مغرد على ( تويتر وواتس أب وفيس بوك ) وغيرها، يبيح لنفسه تكييف القضايا موضع النزاع قبل النظر فيها، ولا حق لكاتب أو مصور أو متداخل من بعيد، في هتك أعراض البشر والتشهير بهم لمجرد أنهم في موقف الاتهام، ولا يحق لأي كان؛ أن يجعل من هذه القضايا الخلافية معارك تصنف المجتمع على هواه، وتلصق تهم الخيانة الوطنية بمن شاء، فهذا حارس للفضيلة، وذاك ناشر للرذيلة، وهذا ليبرالي، وذاك داعشي، مما يثير البلبلة، ويوغر الصدور، ويصرف الأنظار عن قضايانا الرئيسية مع الإرهاب وصانعيه وخادميه.
* لعل أكثر ما يغيظك في هذه المعمعة البعيدة كليًا عن الأخلاق التي نادي بها ديننا الحنيف، والذي أورثها لنا نبينا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.. ما يصدر عن كتائب الفضح والتشفي، فارضي الوصاية الجبرية على المجتمع، الذين يتنادون عند كل مصيبة، لكشف الأستار، وهتك الأسرار، في الليل والنهار، وفي الدياجي والأسحار، وكأن لهم ثأرًا عند فلان وفلانة من هؤلاء الناس؛ الذين رمتهم حظوظهم العاثرة في مرمى بنادقهم النارية، وفي متناول خناجرهم المسمومة.
* هؤلاء ومن هم على شاكلتهم من الجناة؛ الذين يجب أن يُضرب على أيديهم بكل قوة؛ يصدق فيهم قول الشاعر:
إن يسمعوا سُبَّةً طاروا بها فرحًا
منّـي. وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا
صمٌّ.. إذا سَمعوا خيرًا ما ذُكرتُ به
وإنْ ذُكرتُ بسوءٍ عندهم أذِنوا
إنْ يعلموا الخير أخفوه؛ وإن علموا
شرًّا أذاعوا، وإن لم يعلموا كذبوا